لم تكن اتفاقية "سايكس – بيكو" سوى خطة محكمة الاتقان من أجل إنشاء إسرائيل الصغرى، وهو ما أعلن عنه "تيودور هيرتزل" في مؤتمر الصهيونية الأول في عام 1897 في مدينة بازل السويسرية، من تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين بعد خمسين عامًا، وهو ما تحقق في عام 1948، وبمجرد تحقيق "سايكس - بيكو" للهدف منها بدأ العمل على تجاوزها وإعداد خطة أخرى لإنشاء إسرائيل الكبرى.
وفي أعقاب إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين، وضع "بن جوريون" في عام 1953 مشروعًا جديدًا لإعادة تفتيت الشرق الأوسط على أساس عرقي وطائفي وديني ومذهبي، ليكون مركزه "تل أبيب" وتكون إسرائيل هي القوة العظمى فيه، وتمتد من نيل مصر إلى فرات العراق.
وقامت الإدارات المتعاقبة للولايات المتحدة الأمريكية بتبنّي المشروع والعمل على تحقيقه، وسخرت له كل الإمكانات المطلوبة عبر الاستعانة بمراكز الأبحاث المختلفة، ومراكز الاستراتيجيات المنتشرة حول العالم، لوضع آليات وخطط تنفيذ هذا المشروع، ووضع السيناريوهات المتقنة لتنفيذه بطريقة درامية محكمة الإتقان، وبتسلسل للأحداث لا يمكن الشك في تلقائيته.
وأخذت هذه المراكز البحثية والعقول الأمريكية وعقول صانعي القرار الأمريكيين تعمل على وضع الخطط المناسبة لتطوير مشروع "بن جوريون" خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى، فقام المستشرق اليهودي "برنارد لويس" بعرض مشروعه لتقسيم الشرق الأوسط لــ 34 دويلة على الكونجرس الأمريكي في جلسة سرية في العام 1983، والذي وافق بالإجماع عليه وتم اعتماده في ملفات الاستراتيجية الأمريكية للسنوات المقبلة.
وفي عام 1993 أصدر "شيمون بيريز" كتابه "الشرق الأوسط الجديد"، ليضع خطة لشرق أوسط مفكّك على أسس عرقية وطائفية ومذهبية تقوده تل أبيب، ويتقاتل فيه الجميع، إلا أنهم - وفي الوقت نفسه - يتحالفون مع إسرائيل الكبرى ويعملون تحت قيادتها.
وفي عام 2003 ظهر - لأول مرة - مصطلح "الفوضى الخلاقة" كوسيلة من وسائل تحقيق الشرق الأوسط الجديد، وهو مصطلح متناقض في ظاهر الأمر إلا أن حقيقته لا تحمل تناقضًا، إذ أن معناه هو: "فوضى دول الشرق الأوسط تخلق إسرائيل الكبرى".
وعلى النسق نفسه، يمكن تفسير مصطلح "التدمير الخلاق" الذي ظهر في عام 2007 على لسان "مايكل ليدين"، والذي يقوم على استراتيجية الهدم البنّاء، بمعنى أن هدم دول الشرق الأوسط يبني إسرائيل الكبرى، إلا أن أخطر تلك الاستراتيجيات هو ما ذكره "رالف بيترز" في عدد يوليو 2006 من مجلة القوات المسلحة الأمريكية، في مقال تحت عنوان "خارطة الدم"، والذي أبدى فيه انزعاجه من التعايش الذي تمارسه المجموعات العرقية والدينية في الشرق الأوسط، وذكر أنه لا بدّ من إعادة ترسيم الحدود في منطقة الشرق الأوسط، بحيث تُلغَى الحدود القائمة ويتمّ تفتيت الدولة الواحدة إلى دويلات متعدّدة على أسس عرقية ودينية، ولتحقيق ذلك لا بدّ من سفك أنهارٍ من الدماء بسب التنازع بين الأقليات المتناحرة فيما بينها.
وفي يوليو من عام 2013 وضعت القوات المسلحة المصرية خارطة مستقبل هي المصل المضاد لخارطة الدم الأمريكية، وهي السبيل الأوحد لمواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد "الأمريكي – الإسرائيلي"، وهو ما يجعلنا مجبرين على تحقيق خارطة المستقبل المصرية لتلافي تحقيق خارطة الدم الإسرائيلية، فنجاتنا ونجاة بلدنا وأمتنا في الإصرار على إكمال خارطة المستقبل، ومواجهة كل من يحاولون تعطيل خارطة المستقبل لصالح خارطة الدم، ولكن الحقيقة المُرّة هي أن دعاة خارطة الدم في بلدنا كثرُ.