تتابع الباحثة الأمريكية فيليس بنيس، زميلة معهد الدراسات فى واشنطن ومؤلفة كتاب «محاولة لفهم الأزمة الأمريكية الإيرانية» والذى نقلته إلى العربية عواطف شلبى، والصادر عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٨. إن لدى إيران برنامجًا نشطًا للقدرة النووية ولتخصيب اليورانيوم اللازم لذلك البرنامج، كانت إيران أحد الموقعين الأصليين على اتفاقية منع الانتشار النووى عام ١٩٦٨، ومثل سائر الدول الأخرى غير النووية التى وقعت على الاتفاقية فإن إيران لديها الحق القانونى لإنتاج واستخدام القدرات النووية للأغراض السلمية. ورغم هذا ما زالت الولايات المتحدة لا ترغب فى استخدام إيران لهذا الحق القانونى، وتضغط واشنطن على الدول الأخرى لفرض عقوبات من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد إيران لممارستها ذلك الحق الدولى المشروع. وقد ظل موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة متوافقًا لا يتغير، وكررت منذ البداية التأكيد على أن مفتيشها لم يجدوا أبدًا أى دليل على أن إيران قد حولت التسهيلات النووية إلى الاستخدام العسكرى، وذلك على الرغم مما سمَّته ببعض الغموض، وما أشارت إليه من الحاجة إلى مزيد من الشفافية بخصوص برنامج إيران النووى السابق.
ومما يدعو للسخرية أن الولايات المتحدة سبق أن دعمت بشدة طموحات إيران النووية، فمنذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين كانت حكومة الولايات المتحدة تشجع إيران التى يحكمها الشاه المؤيد من جانبها لبناء منشآت للطاقة النووية لهدف محدد توسيع الطاقة الإيرانية لشىء آخر غير البترول، وفى تأريخة لبرنامج إيران النووى، وفى تأريخة لبرنامج إيران النووى تحدث البروفيسور محمد ساحيمى، أستاذ هندسة الكيمياء والبترول فى جامعة كاليفورنيا عن إعلان عام ١٩٧٧ الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، والذى ينص على أن إيران سوف تشترى ثمانية مفاعلات نووية من الولايات المتحدة، وقد وقعت الدولتان فى يوليو ١٩٧٨ اتفاقية الطاقية النووية بين الولايات المتحدة وإيران قبل خلع الشاه بشهور قليلة، وكانت تلك الاتفاقية تهدف إلى تسهيل التعاون فى مجال الطاقة النووية والإسراع بتصدير ونقل التكنولوجيا والمعدات لبرنامج إيران النووى.
ويقرر ساحيمى أنه طبقا لما جاء فى مذكرات أسد الله علام الذى كان وزيرًا لبلاط الشاه وحافظًا للأسرار لفترة طويلة، فإن الشاه طالما حلم بامتلاك إيران للأسلحة النووية، وفى ذلك الوقت ونقلا عن مؤسس هيئة الطاقة الذرية فى إيران، فقد أجرى العلماء الإيرانيون تجارب لاستخلاص البلاتونيوم من وقود المفاعل المستهلك.
وفى أغسطس ٢٠٠٢ أعلنت منظمة مجاهدى خلق الإيرانية المعارضة التى حاربت ضد حكومة إيران لعدة سنوات تحت حماية الحكومات العراقية المتتابعة صدام حسين وحتى قوات الاحتلال الأمريكية، أعلنت أثناء عملياتها فى العراق أن إيران قد خطت خطوات كبيرة على طريق تخصيب اليورانيوم أكثر مما هو معروف من قبل، وحددت منظمة مجاهدى خلق موقعين للتسهيلات النووية فى إيران هما: معمل الطرد المركزى وتخصيب اليورانيوم فى ناتانز، ومعمل لإنتاج الماء الثقيل فى آراك، لكن هذه الأقوال لا يعتد بها لأن مصدرها لا يعتمد عليه - فطالما صنفت منظمة مجاهدى خلق من جانب حكومات الولايات المتحدة وأوروبا على أنها منظمة إرهابية - وخلال سته أشهر اتهمت إدارة بوش رسميًا بأنها تقوم ببناء برنامج نووى سرى، وبدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفتيشًا لمدة ستة أشهر على التسهيلات، ثم قررت أن التليمحات إلى وجود برنامج نووى إيرانى سرى كانت صحيحة، وانتقد مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إيران بسبب عدم الشفافية فى الإبلاغ عن أنشطتها النووية، ولكنهم لم يتهموا إيران بأى انتهاك ملموس لمعاهدة منع الانتشار النووى.
جاء تقييم الوكالة الدولية للطاقة الذرية غير مرض للولايات المتحدة بالدرجة الكافية، وفى يونيو ٢٠٠٣ رفضت الولايات المتحدة الإعداد لضربة عسكرية لإيران، وفى سبتمبر من نفس العام ادعت أن إيران كانت تقوم فى الواقع بانتهاك التزاماتها طبقا لمعاهدة منع الانتشار النووى، ووافق بوش على مساندة مبادرة أوروبية تهدف إلى الضغط على إيران، وقامت طهران بوقف أنشطتها التخصيبية فى إشارة إلى حُسن نيتها، وقبلت التفتيش الإضافى للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى طلبته الولايات المتحدة وأوروبا، وبعد إجراء التفتيش الإضافى أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من جديد أنه لا يوجد أى دليل على إن إيران كانت تبنى سلاحًا نوويًا، واعتبرت الولايات المتحدة أن تقرير الوكالة «يستحيل تصديقه».
كانت إدارة بوش مهتمة بالمحافظة على استمرار الأوروبيين الذين يزداد تشككهم على رأس الحملة الصليبية على إيران، ونتيجة لهذا كانت هناك مهلة قصيرة فى استراتيجية الولايات المتحدة حيث أعلن بوش أن الولايات المتحدة سوف تساند الطرح التفاوضى لمجموعة الاتحاد الأوروبى المكون من ثلاث دول هى: ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، وحاول أن يجمل الصفقة أكثر، فأضاف أن الولايات المتحدة سوف تلغى الجهود التى بذلتها طيلة عشر سنوات لمنع إيران من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وسوف تسمح لإيران بشراء قطع غيار أمريكية لأسطول طائرتها المدنية..
وللحديث بقية