هذه السطور لن تأتى على هوى بعض أبناء مهنتنا، ولن تروق لأغلب المنتسبين لما تسمى بطبقة النخبة، فمن وجهة نظرهم كل من يحمد وزارة الداخلية وبطولات رجالها إما متملق منافق، أو عميل مخبر لدى أجهزة الأمن.
حتى زملائنا المحررين فى صفحات الحوادث لم ينجوا من تلك التهم بمجرد أنهم يقومون بعملهم فى تغطية ومتابعة الحوادث والجرائم التى تقع يوميًا من خلال أقسام الشرطة ومديريات الأمن.
العدوى بهذا المرض المزمن الذى شاع فى الأوساط الصحفية والثقافية انتقل فى الأساس من التيارات اليسارية التى اعتادت عناصرها التقاذف بتهمة العمالة للأمن، وكانت ولا تزال التهمة الجاهزة لكل مخالف فى الرأى وصار من مواتل القول إن كل مجموعة أو تنظيم يسارى يضم بين أعضائه المؤسسين مخبرين وعملاء وشاعت هذه التهمة إلى حد يمكن القول معه إنها طالت أغلب الفاعلين والناشطين فى اليسار المصري.
وقد استفادت جماعات الإسلام الإرهابى وفى مقدمتها تنظيم الإخوان من شيوع هذا المرض العضال فى التصفية المعنوية للمخالفين للرأى داخل التنظيم أو الجماعة، وتشويه سمعة الخصوم السياسيين والمناهضين لأفكار وتصورات تلك الجماعات سواءً من اليساريين أو غيرهم.
أحد أعراض هذا المرض اللعين تعامل بعض السياسيين والصحفيين مع وزارة الداخلية ورجالها باعتبارها «الحيطة المايلة» فكلما سددوا سهام نقدهم نحوها ارتفعت أرصدتهم كمناضلين وأبطال يواجهون بطش السلطة بغض النظر عن صدق أو كذب ما ينشرون.
وقد كانت واقعة مقتل الباحث الإيطالى «جوليو ريجيني» تجسيدًا صارخًا لهذه الحالة، عندما توجه فلول النشطاء والسياسيين إلى مقر السفارة الإيطالية بالقاهرة للتظاهر رافعين لافتات تدين وزارة الداخلية وتتهمها بارتكاب الجريمة، فى الوقت الذى أقرت فيه الصحف الإيطالية أن جميع التقارير التى تلقتها بشأن تورط الشرطة المصرية فى ارتكاب الحادث جاءت عبر حسابات بريدية إلكترونية مجهولة، علاوة على ظهور عدة أدلة تشير إلى تورط عناصر إخوانية فى عملية إرسال تلك التقارير المزيفة، وارتباطها بجهاز المخابرات البريطانى الراعى الرسمى لجماعة الإخوان الإرهابية بحسب اعتراف المستشار عماد أبوهاشم المنشق عن الجماعة فى مداخلة هاتفية مؤخرًا مع أحد الإعلاميين.
بعض هؤلاء الذين يعتبرون الاقتراب من وزارة الداخلية من المحرمات لا يألون جهدًا فى التودد إلى كبار المسئولين بالدولة، خاصة فى الهيئات والأجهزة الحيوية لتحقيق مصلحة سياسية أو مكسب مادي، وفى سبيل ذلك يغضون البصر عن كل نقيصة أو خطيئة يرتكبها هذا المسئول أو ذاك، وإذا قاموا بنشرها فمن باب الابتزاز والوقائع فى هذا الشأن لا تعد ولا تحصى، بل إن بعضهم يتزلف إلى كبار ضباط الشرطة ولكن فى الخفاء وبعيدًا عن الأعين.
وكما أن لكل دواء آثاره الجانبية، فإن لكل داء تبعاته وتأثيراته السلبية على الأجزاء التى لم يتمكن منها، ومن التبعات السلبية لهذا المرض النخبوى بامتياز خشية السياسيين والمثقفين والصحفيين المؤيدين للنظام وحكومته من الثناء على النجاحات التى تحققها وزارة الداخلية ورجالها دون الإشارة لبعض التجاوزات الفردية التى قد يرتكبها بعض أفرادها من باب الحرص على التوازن وحتى لا تنالهم تهمة العمل كمخبرين وعملاء.
لا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ خبر نجاح رجال الشرطة فى كشف بؤرة إرهابية أو إجرامية والقضاء على عناصرها أو القبض عليهم طبقًا لقواعد القانون، واللافت أن أجهزة الشرطة أثبتت قدرتها الفائقة فى الكشف السريع عن عناصر الخلايا الإرهابية التى تورطت فى ارتكاب بعض الحوادث وآخرها محاولة تفجير كنيسة العذراء بمسطرد، بخلاف نجاحها فى الكشف المبكر عن الخلايا النائمة أو التى تستعد لارتكاب أعمال إرهابية ضد الدولة ومؤسساتها على غرار خلية أكتوبر التى تم تصفية عناصرها قبل أيام.
نجاحات الشرطة فى ساحة المواجهة مع الإرهاب تتكرر بنفس الكفاءة فى مجال مكافحة الجريمة الجنائية، وقد رأينا جميعًا كيف تتجلى خبرات الشرطة المصرية العميقة فى كشف الغموض الذى أحاط بواقعة العثور على جثث مشوهة لثلاثة أطفال فى المريوطية.
نجاحات رجال الشرطة فى ميادين عملهم المختلفة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن وزارة الداخلية تعمل وفق نظام مؤسسى يعتمد الأسلوب العلمى الذى يستفيد من تراكم الخبرات التى توافرت لأقدم وأعرق أجهزة الشرطة، لذا وجب شكر وزارة الداخلية كمؤسسة وكأفراد يعملون بانضباط وفقًا لتقاليدها ومبادئها.
وهذا ما يعنى أيضًا أن أى تجاوز قد يرتكبه أحد أفرادها ليس سوى سلوك فردي، وأن تجاوزات أفراد الشرطة لا تتعدى نسبتها نسبة ما يرتكبه المواطنون المدنيون من تجاوزات وجرائم فساد ورشوة واختلاس فى باقى مؤسسات وأجهزة الدولة العامة والخاصة على حد سواء، بل إنها تقل فى وزارة الداخلية وأجهزتها بحكم طابعها الشرطى المنضبط.
العمليات المكثفة ضد البؤر الإرهابية والنجاحات المتكررة التى حققتها وزارة الداخلية وأجهزتها مؤخرًا مناسبة هذا المقال بشكر كل فرد بها غادر فى الصباح مودعًا أسرته ولا يعرف إذا كان سيستقر جسده فى نهاية اليوم على فراشه أم فى قبره؟!، وللمزايدين الذين سيقولون هذا عملهم وواجبهم، أقول ليس أغلى من الروح عند الإنسان العادي، أما هؤلاء فحياتك وكرامة الوطن أغلى من أرواحهم، وتذكر أن أكثر من ألف ضابط وقفوا يوم ١٥ يونيو ٢٠١٣ فى نادى ضباط الشرطة حاملين رقابهم على أكفهم معلنين انحيازهم لإرادة الشعب المصرى، وأنهم أبدًا لن يكونوا بندقية مكتب الإرشاد بقتل إرادة المصريين.
***
إذا كان ٢٥ يناير عيد الشرطة لأنهم وقفوا فى وجه الاحتلال البريطاني، أقترح أن يكون ١٥ يونيو يوم لتكريم وزارة الداخلية وتوجيه كلمة شكر لأبطالها، لأنهم رفضوا أن يكونوا عصى الجاسوس مرسي.
كلمة شكر بسيطة كفيلة بأن تمنع أى فرد شرطة من تجاوز القانون لأنه يعرف أن هناك مَـنْ يقدره.