تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تعتمد فرجينيا تيلى الباحثة الأكاديمية الأمريكية فى كتاب «حل الدولة الواحدة: انفراجة للسلام فى المسار الإسرائيلى الفلسطينى المغلق»، على المواجهة الموضوعية فى التعامل مع حقوق كل طرف من أطراف الصراع الفلسطينى - الإسرائيلي، والذى نقله إلى العربية ربيع وهبة والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة.
لا تزال الحقائق تقبع فى المجرى العام للأخبار التى تشير إلى أنه فى الوقت الذى تتعكر فيه أجواء مسرح الصراع فى الشرق الأوسط، فإن شروط السلام الأساسية فى هذه المنطقة قد تغيرت لا محالة. فالمستوطنات اليهودية التى دائمًا ما يقر المجتمع الدولى بأنها «عقبة أمام السلام»، قد حققت الغرض منها، ألا وهو: إن الأساس الإقليمى لدولة فلسطينية حقيقية قادرة على الاستمرار لم يعد موجودًا. والمقدمات المنطقية التى انبنت عليها جميع الجهود الدبلوماسية الحالية الخاصة بحل الدولتين أصبحت مستحيلة. وصار الواقع نفسه الذى يواجه الآن جميع الأطراف المنخرطة: فقط دولة واحدة، يمكنها أن تكون موجودة على نحو متحقق فى أرض فلسطين التاريخية، ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن.
والحقيقة أن استبعاد خيار الدولتين كحل عملى إنما يقوم على اعتبارين؛ الأول، وهو الأكثر ارتباطًا بالصورة الماثلة الآن هو: أن المستوطنات اليهودية قد غيرت معالم الأرض الفلسطينية، محولة إياها إلى أثر بعد عين، بلغ من الصغر حجمًا لا يمكن معه وجود مجتمع وطنى وجودًا حقيقيًا. فقبل عقد كانت المستوطنات أصغر حجمًا وأكثر تشرذما مما هى عليه الآن، كما كانت شبكة الطرق التى تربطها يبعضها هزيلة وكثافة السكان الذين يقطنونها ضئيلة. الاعتبار الثانى الذى يفيد أن حل الدولتين قد مات، أنه حتى لو تم إعلان «دولة» فلسطينية فى هذه المنطقة المقطعة الأوصال والمطوقة جغرافيًا، فلن ينجم عنها سوى حالة مستمرة من عدم الاستقرار، من وجهة نظر الباحثة.
فتلك الدويلة الفلسطينية الناتجة، وستكون معزولة ماديًا عن الاقتصاد الإسرائيلي، ومدنها الرئيسية مقطوعة السبل عن بعضها بعضًا، ومن شأن حكومتها أن تكون عاجزة عن السيطرة على مواردها المائية، وعن تطوير أراضيها الزراعية، أو إدارة تجارتها مع الدول المجاورة. ومن ثم فلن تكون أكثر من مجرد وعاء مغلق من الفقر المتنامى والروح المعنوية المتداعية. وثمة بدائل تظهر فى الحال. منها ما هو معادل للكابوس: يتمثل فى قيام إسرائيل بالطرد القسرى للشعب الفلسطينى خارج البلاد. الأمر المخيف هنا، هو أن هذا النوع من الطرد أو «الترحيل القسرى» قد مثل على الدوام خطًا متصلًا فى الفكر الإسرائيلى – الصهيونى اليميني، الذى طالما صدق على مفهوم أن الأردن هى «الدولة الفلسطينية الحقيقية»، إلا أن المنطق العام الكامن فى مبدأ الترحيل أو التهجير، يتغلغل بصورة أوسع نطاقًا فى الفكر اليهودى الإسرائيلي. وهذه الفكرة نالت دعمًا عبر الحركة الصهيونية منذ بداية تشكلها؛ حتى إن مؤسس الحركة «تيودور هرتزل» كتب فى يومياته عن الحاجة إلى «دفع السكان المعدمين عبر الحدود». وجاء «ديفيد بن جوريون» ليتبنى المنطق تبنيًا كاملًا، آمرًا بتنفيذ طرد جماعى للفلسطينيين من مدنهم وقراهم فى حروب ١٩٤٨ منفذًا بذلك تطهيرًا عرقيًا، أمن وجود أغلبية يهودية فى إسرائيل فى المقام الأول.
البديل الثانى أو ما يسمى بالخيار الأردنى (ويشار إليه أحيانًا تحت زعم بأن «الأردن هى فلسطين»). وفى سياق هذا البديل من شأن الفلسطينيين أن يجدوا حياة مستقرة، وتحققًا سياسيًا عبر المواطنة فى دولة الأردن المجاورة. وهذه الرؤية طالما روج لها شارون، وأيدها من باب التمنى إسرائيليون فى كثير من المعسكرات السياسية، منطلقين من افتراض وردى مؤداه أن الفلسطينيين - سواء كانوا محرومين من حقوقهم السياسية فى أراض إسرائيلية ملحقة، أو يواجهون حياة قاسية فى دولة فلسطينية غير حقيقية – يمكن إغواؤهم بالسعى للحقوق السياسية عبر نهر الأردن، ومن ثم يمكن أن يتوقفوا عن أن يكونوا مصدرا لقلق إسرائيل. وبالتالى فإن هذه الخطة تهدف إلى تحقيق ما يسمى بـ«الترحيل الناعم». وهناك رؤى جغرافية مختلفة تصاحب هذا الحلم، مؤداها أنه إذا ظلت الضفة الغربية أرضًا فلسطينية، فإنها يمكن أن تشكل دولة بمفردها فوق ضفتى نهر الأردن، على غرار إمارة شرق الأردن الانتقالية بين عامى ١٩٤٨ و١٩٦٧. ولكن بما أن مساحة الأرض المتروكة للفلسطينيين فى الضفة الغربية، أصبحت أقل بكثير مما كانت عليه، فإنه من غير الواضح أى كتلة من الأرض يمكن أن تتضمنها مثل هذه الوحدة. إن حل الدولة الواحدة يضع أمامنا، كمًا هائلًا من الصعوبات السياسية، وتحديات معقدة تتعلق تحديدًا بالكيفية التى يمكن بها تطبيق هذا الحل. والأمر الأكثر وضوحًا هنا، هو أن حل الدولة الواحدة من شأنه إجبار الجميع على اتخاذ قرار فورى حول مصير إسرائيل بوصفها «دولة يهودية».. وللحديث بقية.