ليس منا نحن المصريون من يطلب حكم العسكر، ولا يرتضيه إلا خائن أو عميل أو جاهل في أقل تقدير.
العسكر لا يتمكنون من مقاليد الحكم إلا في لحظات ضعف الأمم وهوانها، وعصورهم عصور انحطاط وتخلف وانهيار لكل قيمة أخلاقية وسقوط لكرامة الإنسان.
لا يختلف اثنان على بغض وكراهية حكم العسكر، فهم ليسوا سوى عبيد عند واليهم، وهم مرتزقة لا تجمعهم عقيدة سوى حب المال والسلطان، تتملكهم غريزة التلذذ بتعذيب الآخرين وإذلالهم والحط من شأنهم.
تلك بعض من صفات العسكر وحكمهم، لكن التاريخ يحدثنا عن المزيد من أحط وأوضع وأقذر الصفات، غير أن أهم سمة للعسكر هي أنهم لا ينتمون لمؤسسة ولا يخضعون لعملية معقدة من التدريب على أصول وقيم الجندية الحقة فهم لا ينتظمون إلا في شكل مجموعات صغيرة تأتمر بقائد ليس من ضامن لولائهم له إلا قدر ما يوزعه عليهم من الغنائم التي يحصلون عليها بالنهب والسلب، والقائد ذاته يعمل بنفس الطريقة لدى آخر، وقد عرفت مصر هؤلاء المرتزقة الذين أسماهم المصريين بـ"العسكر" في أحط فترات تاريخهم، وهي فترة حكم المماليك والاحتلال العثماني، الذي درس تاريخهم زورا في المدارس المصرية بوصفه حكما إسلاميا رشيدا، بينما هو كان احتلال بكل معاني الكلمة، حيث كان العسكر في مصر يعملون لخدمة الوالي العثماني دون الوطن المصري.
العسكر لا يتواجدون إلا في ظل حكم المحتل عندما يشتغلون لحمايته وتلبية احتياجات غرائزه.
حدث هذا في معظم فترة ما يعرف بالحكم الإسلامي في مصر.
العسكر يتواجدون أيضا داخل التنظيمات والكيانات العقائدية السرية كمليشيات ويتخذون التشكيلات العصابية شكلا وهيئة ينضوون تحت رايتها، وهم كعسكر المحتل لا يجيدون سوى أعمال السلب والنهب وإرعاب الناس وإرهابهم. وهذا النموذج عرفته مصر في التنظيمات الإسلامية السرية، بدءًا من تنظيم الإخوان الإرهابي وأتباعه في التنظيمات الجهادية والتكفيرية على اختلاف مسمياتها، فها هم عسكر الإخوان وفلولهم في التنظيمات الإسلامية الأخرى يعيثون في الأرض فسادا بالإرهاب والإرعاب.
الحقيقة أن بعض التنظيمات الشيوعية أيضا التي ترى في العنف حلا ثوريا، عرفت هي الأخرى هذا النوع من العسكر المرتزقة، لكن ولأنها تنظيمات ضعيفة من حيث بناءها الداخلي لم تنجح الا في تجنيد بعض الصبية الذين لايجيدون سوى أعمال إثارة الفوضى وبعض العنف الذي يعجز عن أن يتطور إلى الإرهاب وإن كانت هذه التنظيمات ليست برئية من تهمة الإرهاب على نحو أو آخر، فمن يطالب أو يسعى إلى تفكيك المؤسسة العسكرية وحل جهاز الشرطة وإسقاطه والإطاحة بالدولة لا يمكن النظر إلى تصوراته هذه بعيدا عن مفهوم الإرهاب الذي يهدف هو الآخر إلى هدم الدولة.
لذلك يصبح كل طالب للمواجهة مع الجيش والشرطة سعيا لإسقاطهما إرهابيا، سواء أكان من الإخوان، أو الاشتراكيين الثوريين، والأناركيين، أو من أعضاء تنظيم 6 أبريل، بل لا أظنني مبالغا إذا وصفت كل من يشير إلى الجيش المصري بوصفه مجموعة من العسكر، بالإرهابي والخائن، لأنه يريد استدعاء معان سيئة وراسخة في ثقافة المصريين لمصطلح العسكر بسبب فترات الانحطاط التي عاشها تحت حكم ما يسمى العصر الإسلامي ويريد أن يصور الجيش والشرطة المصرية كمجموعة من العسكر المرتزقة ولا يفعل ذلك إلا خائن لوطنه.
لا يمكن التماس عذر الجهل وعدم الثقافة لكل أو حتى بعض من يصفون الجيش والشرطة بالعسكر لأنهم يعرفون جيدا ما يصنعون، وواعون بما يقولون ويروجون ولتكن لنا في أفعالهم على الأرض العبرة والموعظة فهم من يشاركون عناصر الإخوان أعمال العنف والتخريب منذ أحداث انتفاضة 25 يناير، فبعضهم يتصور أن بإمكانه تحويلها إلى ثورة شيوعية حمراء، وبعضهم الآخر تقاضى أموالا وتلقى تدريبا من أجل أن تبدو ثورة برتقالية، يقنصها لصوص الاخوان، وهؤلاء أيضا من أعدوا العدة لإفساد الاستفتاء على الدستور ومشاركة الإخوان في جرائم جديدة يسعون لتنفيذها مع حلول الذكرى الثالثة لـ 25 يناير.
ظني أن الإرهاب الذي قد تشهده البلاد في الفترة المقبلة لن يتم بأيد إخوانية فقط، وعلينا أن نحذر من كل حلفائهم وشركائهم في شعار "يسقط حكم العسكر".
ولنتذكر أن الإرهابيين وأحلافهم هم عسكر الفوضى والسلب والنهب سواء كان شعارهم "المصحف والسيفين" أو "المطرقة والسندان" أو حملوا لافتة حقوق الإنسان.