الجمعة 27 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

تراث الأجداد| الفسيفساء .. الفن الأكثر صمودًا بين الفنون التراثية

الفسيفساء .. الفن
الفسيفساء .. الفن الأكثر صمودًا بين الفنون التراثية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جدران المساجد والمعابد والقصور والحدائق الملكية والتحف والإكسسوارات واللوحات الفنية وحتى صناديق المجوهرات، وغيرها الكثير من المقتنيات التى خلدتها «الفسيفساء» لتروى حكايات التاريخ والحضارات، فهو «الرسم الذى يدوم حقًا إلى الأبد» حسبما وصفها الفنان الإيطالى دومينيكو غيرلَنْدايو فى القرن الـ ١٥، ليروى كل تصميم من أشكال الفسيفساء قصة ذات رموز ودلالات لأناس كانوا يعيشون قبلنا، ويضم العديد من المتاحف نماذج ولوحات فنية مبهرة وغاية الدقة والروعة لفن الفسيفساء، بل إن بعض الكنائس والمساجد والقصور الملكية تضم جدرانها إحدى اللوحات الفنية صنعت بأيدى أمهر الحرفيين والفنانين لفن الفسيفساء. 
وعرفت الفسيفساء بأنها فن تزيين الأسطح،‏ كالأرضيات والجدران والقباب،‏ بتصاميم مصنوعة من قطع صغيرة من الحجارة والزجاج،‏ والخزف ويتم رصفها الواحدة بجانب الأخرى لتكون شكلاً جمالياً على القطع المراد زخرفتها، كما استخدمت فى تزيين الحمامات العامة والبرك والنوافير لتكون بديلاً للفنون الزخرفية الأخرى التى يتم إفسادها بفعل الرطوبة. 
وتَّتطلب وحرفة صناعة المكعبات الصغيرة واستعمالها فى الزخرفة «الفسيفساء» أو موهبة ومهارة ودقة عالية من صانعيه حيث يتم صنع اللوحة الفنية بعدة مراحل بدءًا من تصميم الإطارات فى داخل موضعها الملائم، فكان الحرفى ينتبه جيدًا للقاعدة ولسطحها ليضمن أنه أملس ومستوي، ثم يقوم بوضع طبقة من الملاط الناعم «البطانة»‏ فوق السطح على مساحة صغيرة،‏ كى يتمكن من رصفها قبل أن تجف، وفى بعض الاحيان يقوم الفنان بوضع رسم تخطيطى على السطح لإتباعه أثناء رصف المكعبات، والتى كانت تقطع وفقاً لقياس محدد لوضعها فى المكان المناسب، ويتم غرز المكعب تلو المكعب فى الملاط،‏ حتى تمتلئ الفراغات بينها.‏ وبعد الانتهاء من رصف مساحة معينة يتم رصف مساحة أخرى حتى تنتهى الفسيفساء، وكان الحرفيون المبدعون يعملون على الأجزاء الصعبة من الفسيفساء تاركين الأجزاء السهلة لمساعديهم.‏
ولم تكن حضارة وادى النيل بعيدة عن إدراج بصماتها بعالم هذا الفن التصويرى الزخرفى بصورة مبكرة، حيث عُثر على ما يشبه الفسيفساء فى بعض غرف هرم سقارة، وقد ظهرت الفسيفساء مستخدمة المكعبات الفخارية منذ القرن الثالث قبل الميلاد إبان العهد الهلنستى متأثرة بتلك التى اُستخدمت فى الألف الرابع قبل الميلاد. 
وقد شهد هذا الفن تطورًا ملحوظًا خلال الفترة الإغريقية، واتسع نطاق هذا الفن وشاع بصورة كبيرة فى العصر الرومانى حيث غطى منازل الطبقة الأرستقراطية، ولم يكد يخلو بيت فى روما إلا وقد اكتست قاعته الداخلية بلوحات فسيفسائية ، ليدخل هذا الفن بمرحلة جديدة أُطلق عليها العصر الذهبى فى فترة العصر البيزنطي، والتى ظهرت بكثرة على جدران الكنائس وأرضياتها وقبابها. 
كما شهد هذا الفن تطورًا تقنيًا من حيث استعمال الألوان واستغلال درجاتها وتدرجات الألوان فى الزجاج وقد استعمل الزجاج لتغطية الجدران والقباب بينما استعملت مكعبات من الحجارة والرخام لتغطية الأرضيات لأنها تتحمل أكثر ولا تتلف بسهولة، وإلى جانب الزجاج إدخالهم للمعادن فى صناعة اللوحات الفسيفسائية.
أما الفسيفساء الإسلامية فقد كانت امتدادا للفسيفساء البيزنطية فى حين احتفظوا بفضل تطوير صناعة هذا الفن من حيث استخدامهم للألوان المائية فى التلوين مع ابتكار أشكال هندسية غير معهودة فى تزيين القصور والمعابد لتمتد هذه التقنية لما بعد الإسلام إذ استعملت فى زخرفة جدران المساجد والعمائر والقصور أثناء الحكم الأموى والعباسى والفاطمى فى مصر والأندلس حيث حرص الفنان على إدخال عنصر جديد فى زخرفة الجدران والأرضيات وهو استخدام الفسيفساء الرخامية كتلك التى استخدمت بقبة قصر السلطان قلاوون فى مصر، كما ظهر استخدام البلاطات الخزفية المزخرفة فى تكسية قمم المآذن والقباب والجدران.