رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحرية والعناية الإلهية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فهم «ليبنتز» حرية الإرادة فهمًا جديدًا – يختلف عن المفهوم الديكارتى – سواء فى ذلك إرادة الله أو إرادة الإنسان. فقد أكد أن كل إرادة تتطلب علة ذاتية تفسر أفعالها، بمعنى أن إرادة الإنسان تنبع من ذاته وتحقق ما تتضمنه من أفعال، أما إرادة الله فقد اعتبرها «ليبنتز» علة ما فى الكون من تغير تبعًا لمبدأ الأفضل وتحقيقًا لمفهوم «الانسجام الأزلى». لكنه عندما ذكر أن الإرادة الإنسانية لا تُوصف بأنها حرة إلا بقدر ما تحقق من أفعال إرادية أساسها الأفكار الواضحة المتميزة، ورائدها الأول هو «العقل»؛ رأى أن الله وحده هو الموجود الحر بأكمل معانى الحرية، أما الموجودات المخلوقة فلا توصف بأنها حرة إلا بقدر ما تستطيع أن تعلو على أهوائها. لذلك رأى أن أفعال الإنسان الحرة تأتى موافقة لما فى الكون من عناية شاملة، فالإنسان حين يعمل بمقتضى عقله وحريته؛ فإنه يجد نفسه فى انسجام كامل وتام مع العالم كله والله نفسه.
ويعترض «ليبنتز» على بعض المفكرين الذين قالوا، إن الله لا يكترث بما يقع للموجودات من خير وشر؛ فهذا القول ينتقص من حكمة الله وخيريته. كذلك فإن فكرة «عدم الاكتراث» (التى تحتفظ بالإرادة فى حالة توازن تام) هى وهم من الأوهام، فقد قضت إرادة الله السابقة بأن يكون فضله وعطاؤه عامًا، بحيث يجد كل موجود ما يمكنه من النجاة، لكن ليس من المحتوم أن يكون هذا الفضل الإلهى سببًا فى نجاة الجميع، وذلك لأنه ليس مستقلًا عن الظروف التى توجد فيه الموجودات العاقلة، وليس فعالًا لذاته، ففضل الله وعنايته يشمل الجميع، لكن هذا الفضل يرتبط بأسباب عديدة منها طبائع الأشياء. يقول: «إنى مقتنع بأن الله يتجه فى توزيع فضله، بأسباب تدخل فيها طبيعة الأشياء، وإلا لما كان يفعل وفقًا للحكمة».
وقد رأى بعض علماء اللاهوت، أن الله لا يهب فضله وعنايته إلا لمن لديه الاستعداد لكى ينعم بمثل هذا الفضل الإلهى، لكنه يهمل الآخرين لجهلهم وعنادهم. وليست هذه هى قاعدة عامة – كما ذهب «ليبنتز» – لأننا نجهل أسباب الاختيار الإلهى، ولما كانت هذه الأسباب كثيرة جدًا؛ فإننا لا نعرفها. ومن الممكن أن يُظهر الله قوة فضله وعنايته عندما يتغلب على أقوى ضروب الجهل والعناد، وذلك كى لا ييأس أحد وحتى لا يزهو أحد بنفسه. فالله وحده هو الذى يعلم متى سيكون المذنب قاسى القلب وأنه لا يوجد ثمَّة شىء يمكن فعله من أجله. وليس معنى ذلك أنه من المستحيل أن يتوب، أو أن الله سوف يحرمه من فضله بعد فترة ما، لأن فضل الله لا ينقطع أبدًا، وليس لنا الحق أيضًا فى أن نقول إن إنسانًا ما سوف يهمل الله أمره إلى الأبد، فمثل هذا القول حكم تعسفى، وينم عن جهل بحكمة الله وفضله.