رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الله غني في ذاته

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أوضحنا، فى المقال السابق خيرية الأفعال الإلهية عند المعتزلة من خلال قضيتين مهمتين: الأولى، أن أفعال الله كلها حسنة محمودة العواقب، إذ يستحيل عليه تعالى فعل القبح، وتحدثنا عنها تفصيلًا.
أما القضية الثانية، ونتحدث عنها اليوم، فهى تختص بـ«الحكمة الإلهية» التى تقوم على مبدأين: الأول، أن الله عالم بذاته، وقد أحاط علمه كل شىء؛ أى يعلم جميع المعلومات على الوجوه التى يصح أن تعلم عليها. الثانى، أنه غنى فى ذاته لا تجوز عليه الحاجة. ومن مقتضيات هذه الحكمة أن تكون أفعاله تعالى هادفة لتحقيق أغراض وغايات، ذلك لأن الفعل الخالى من الغاية والغرض، فعل يوصف بالعبث- تعالى الله عن ذلك- غير أن الغاية والغرض لا يعودان إليه؛ لأنه غنى فى ذاته، وإنما يعودان إلى نفع عباده وصلاح أمرهم. وقد قالت المعتزلة- كما روى الشهرستانى- أن «الحكيم لا يفعل فعلًا إلا لحكمة وغرض، والفعل من غير غرض سفه وعبث، والحكيم من يفعل أحد أمرين: إما أن ينتفع أو ينفع غيره، ولما تقدس الرب تعالى عن الانتفاع تعين أنه يفعل لينفع غيره فلا يخلو فعل من أفعاله من صلاح». وتضيف قولها: «قام الدليل على أن الرب تعالى حكيم، والحكيم من تكون أفعاله على إحكام وإتقان، فلا يفعل فعلًا جزافًا، فإن وقع خيرًا فخيرًا وإن وقع شرًا فشر، بل لا بد أن ينحو غرضًا ويقصد صلاحًا».
على أن التماس الغاية فى أفعاله تعالى أو تعليلها، قد صور لدى «الأشاعرة» على أنه تقييد للإرادة الإلهية، فأفعال الله ليست معللة بغاية أو غرض؛ وهو- تعالى- قد خلق المخلوقات لا لعلة ولا لداع ولا باعث. يقول «الباقلانى»: «فإن قال قائل: هل تقولون إن صانع العالم صنعه بعد أن لم يصنعه لداع دعاه إلى فعله، ومحرك حركه، وباعث بعثه، وغرض أزعجه، وخاطر اقتضى وجود الحوادث منه- أم صنعه لا لشىء مما سألت عنه؟ قيل له: إنه تعالى صنع العالم لا لشىء مما سألت عنه. فإن قيل: وما الدليل على ذلك؟ قيل: الدليل عليه أن الدواعى المزعجات والخواطر والأغراض إنما تكون وتجوز على ذى الحاجة الذى يصح منه اجتلاب المنافع، ودفع المضار؛ وذلك أمر لا يجوز إلا على من جازت عليه الآلام واللذات وميل الطبع والنفور؛ وكل ذلك دليل على حدث من وُصف به وحاجته إليه، وهو مُنتف عن القديم تعالى». ويدل الاعتراض السابق، على أن الله- تعالى- طالما كان عالمًا بعلم قديم، فليس هناك حاجة لاشتراط العلة فى أفعاله؛ وإنما تشترط العلة والغرض فى أفعال الإنسان الذى لا يبلغ حد الكمال بفعله.
وعلى هذا الأساس؛ فإن أفعاله تعالى- كما رأت المعتزلة- لا بد فيها من غرض وعلة، ويدخل فى ذلك الآلام والشرور التى تصيب الإنسان.