يتابع المؤرخ الفرنسى البارز هنرى لورنس، أستاذ التاريخ المعاصر للعالم العربى بالكوليج دو فرنس، فى كتابه الموسوعى مسألة فلسطين: تحاول منظمة التحرير الفلسطينية مواصلة الضغط على إسرائيل، فى الخارج. وفى 4 فبراير تنجح قوة خاصة قادمة من لبنان فى التسلل إلى إسرائيل وفى قتل جنديين إسرائيليين قبل تصفيتها، لكن هذا يندرج فى منطق الملف اللبناني، ويمتنع رابين نفسه عن اعتبار أن له صلة بالانتفاضة. ويُكثر وزير الدفاع الإسرائيلى من التصريحات المتناقضة بشأن منظمة التحرير الفلسطينية، إذ يناوب بين نفى دورها المحرك فى الانتفاضة والاعتراف بهذا الدور وتريد منظمة التحرير الفلسطينية شن عملية مثيرة ذات هدف دعائي، إرسال «سفينة عودة» إلى قطاع غزة تُعيدُ لاجئين ومنفيين فلسطينيين ويجرى تصوير هذا الإرسال فى صورة خروج فلسطيني، وهذه العملية تثير غضب الحكومة الإسرائيلية، ويعلن شامير فى 11 فبراير، أن شعار العودة نفسه الذى يستخدمه العرب هو بمثابة إعلان حرب على شعبنا وعلى دولة إسرائيل، إنهم يريدون تجريدنا حتى من مثلنا الأعلى، الخاص بعودتنا إلى وطننا، ويؤكد بيريز، فى اليوم نفسه: «هذه العملية تعبير عن النازية بشكل آخر؛ فهذه السفينة تحمل على متنها فلسطينيين أيديهم ملوثة بدماء اليهود»، وتصل السفينة إلى قبرص، وفى 14 فبراير، نجد أن ثلاثة كوادر من فتح، مكلفون بالعلاقات مع الأراضى المحتلة، يلقون مصرعهم فى قبرص فى انفجار لسيارتهم، ولعلهم كانوا حلقة الوصل مع حركة الجهاد الإسلامى، وفى اليوم التالى، تتعرض السفينة نفسها لأضرار جسيمة جراء انفجار، فيرى متحدث بلسان منظمة التحرير الفلسطينية أنه: لم يعد هناك الآن ما يُلزم منظمة التحرير الفلسطينية باحترام إعلان القاهرة. وعلى إسرائيل أن تدرك، بعد هذه المقتلة الرهيبة، والتى تلاها يوم الاثنين الاعتداء الإجرامى على السفينة المدنية التى كانت بصدد منفيين إلى ديارهم، أن منظمة التحرير الفلسطينية ليست مكتوفة الأيدى وأن من غير المعقول أن تستمر فى احترام إعلان القاهرة من طرف واحد.
وتتمثل مجابهة دبلوماسية أخرى فى إغلاق المكتب الفلسطينى لدى منظمة الأمم المتحدة فى نيويورك، تماشيًا مع قرار صادر عن الكونجرس الأمريكى، وترى منظمة الأمم المتحدة أن هذا يتعارض مع الاتفاق الخاص بالمقر، والذى يحدد وضعيته فى المدينة الأمريكية. وتتوصل البلدان الأعضاء إلى عقد الجمعية العامة لبحث الملف، فتجد إسرائيل والولايات المتحدة نفسيهما معزولتين بالكامل عن مختلف الاقتراحات، وترفض منظمة التحرير الفلسطينية إغلاق مكتبها، وتُحالُ المسألة إلى المحاكم الأمريكية التى تحكم لصالح منظمة الأمم المتحدة والفلسطينيين، بعد عدة أسابيع.
وفى 7 مارس، تتجه قوة فلسطينية خاصة من ثلاثة فدائيين، أعلنت انتماءها إلى القوة 17 التابعة لعرفات، إلى أخذ رهائن فى باص قرب مُفاعل ديمونة النووي، فى النقب، فيلجأ الجيش الإسرائيلى إلى شن الهجوم، والحصيلة فادحة: فعلاوة على أفراد القوة الخاصة الثلاثة، يلقى ثلاثة إسرائيليين مصرعهم ويُصاب ثمانية آخرون بجراح، وتتلو ذلك ردود الفعل المعتادة، فالحكومة الإسرائيلية تربط هذا العمل الإرهابى بالانتفاضة وتتهم منظمة التحرير الفلسطينية بالرغبة فى نسف عملية السلام، وفى الأراضى المحتلة، يلقى العمل ترحيبًا بالأحرى.
وفى مستهل الشهر الرابع للانتفاضة، نصل إلى 86 قتيلًا فلسطينيًا، بنسبة قتيل واحد فى اليوم منذ فبراير، وفى 20 مارس، ولأول مرة يلقى جندى إسرائيلى مصرعه بالرصاص فى بيت لحم، فيجرى تنظيم حملة ملاحقات واسعة، ويجرى الاتجاه إلى نسف بيوت تؤوى صبية يُنظرُ إليهم على أنهم مذنبون بإلقاء زجاجات المولوتوف الحارقة، وتتزايد الضغوط على السكان، والمراد هو إعادة الأراضى المحتلة «التوقيت الإسرائيلي»، أى إثبات من هو السيد.
وخلال يوم الأرض، فى 30 مارس، قُطعت الأراضى المحتلة قطعًا كاملًا عن العالم الخارجي، وحصيلة اختبار القوة هذا خمسة قتلى فلسطينيون وستون مصابًا. وفى 6 أبريل، تلقى صبية إسرائيلية مصرعها جراء إلقاءِ للحجارة فى الأراضى المحتلة خلال حادث يؤدى أيضًا إلى مصرع فلسطينيين اثنين. وهذه هى المرة الأولى التى يلقى فيها مدنى إسرائيلى مصرعه، وحقائق ما جرى غائمة، إلى أن يتبين أن مجموعة من الصبية المنتمين لمستوطنة يهودية، والذين كانوا يقومون بنزهة قد ضلوا طريقهم ودخلوا قرية عربية، هى قرية بيتا، قرب نابلس، وبما أن المرافقين قد أصابهم الخوف، فقد أطلقوا النار وقتلوا اثنين من العرب، ثم جاء الرد قذفًا بالحجارة.