تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
(1)
أنا لم أتعثّر بإرادتى، هم الذين وضعوا الأحجار فى طريقي، حاولت مرارًا تجاوزها، حاولت أن أمرَّ من فوقها، أو من بينها، لم أستطع حملها إلى جانب الطريق، كانت أضخم من طاقاتى مجتمعة، وكلما استجمعتُ ما تبقى لدى من قوة وقدرة وتفلَّتُ من بين النوافذ الضيقة المتاحة، كنت أنفذ وأمرُّ تاركًا من ورائى جلدي، تلك الطبقة الرقيقة التى تكسو لحمى، لقد انسلخت منه كثيرًا، انسلخت منه فى كل مرة كنت أحاول فيها المرور، حتى تغيّرتُ، لم أُصبح كما أمسيت ولا كما كنت، لم أَعُـد أنا.
كل هذا مقدور عليه، إنما الذى لم أقدرْ عليه أنه عندما أوْشكتُ على الوصول، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى، وجدت المنافذ قد سُدّتْ؛ فحملت مِعْوَلي، وانقضضتُّ على الحجارة أَهْدِمُها، أُقـوِّض أركانها، وكانت دهشتى لما رأيتُها قد تحوّلت إلى حديد، من فرْط شدته وكأنه أُفْرِغ عليه قِطْـرٌ، فلم أستطع له نقْبًا.
خارت قواى ووقعتُ جالسًا من غير جِلْدٍ ولا جَلَدٍ، وحينها اقتنصوا الفرصة جيدًا وقاموا بجلْد لحمي، أنا الذى لم أعرف الاستسلام قط وقعتُ مغشيًّا علىَّ، صدقونى أنا لم أمت بإرادتي، هم الذين أرادوا موتى!!
(2)
كانوا يسيرون بدماء باردة، حاملين الأسلحة، كانت فى يدى مسبحة، ولما رأيتهم مقبلين نحوى من بعيد، قمت بقطع مسبحتي، وحينما اقتربوا جعلت أقذفهم بحباتها، لم يكترثوا لى وقالوا: دعوكم من هذا المجنون.. رجمتهم وبعد أن مروا؛ قمت بجمع حبات مسبحتى كلها إلا واحدة لم أعثر عليها، من دونها لن تكتمل المسبحة.
جلستُ مستندًا إلى ظهر الجدار نادمًا، ما هذا الذى فعلته؟! لقد فقدت مسبحتى ولم يتوقفوا، وبعد قليل سوف أستمع إلى طلقات الرصاص.. ما الفائدة؟! يتمتم قائلًا: أنا لست مجنونًا.. كنت منهم ذات يوم.. كنت أشهدُ كل يوم مذبحة.. لم أعد أحتمل الدماء.. أصبحت من أولى اﻷجنحة وأحمل مسبحة.
ها هى طلقات الرصاص تدوي، وقعت المذبحة، أنا السبب، لماذا لم أقتلهم؟ ها هم عائدون، يا أيها اﻷوغاد، مَنْ ذبحتم اليوم؟! يقهقه أحدهم ساخرًا ويناديني: يا أيها المجنون، خذ هذه حبة مسبحتك.. أخذتها؛ ولضمت مسبحتي.. واتكأت إلى جدارى أنتظر عودتهم فى الغد!!
(3)
لقد رأيتهم، كانوا هناك عند الممر، رءوسهم تشبه رءوس الشياطين، وفى أيديهم عِصيّ، ويأكلون أوراق الشجر.. ماذا تقول؟ ومَنْ هؤلاء؟
لقد حدثتهم، وحينما واجهتهم بالحقيقة؛ أنكروا كل الجرائم، قلت لهم لماذا تفسدون؟ قالوا: إنما نحن الـ(مصلحون).. لا أفهم منك شيئًا.. مَنْ هم؟
لقد حاربتهم، كانوا جبناء، ولكنهم انتصروا عليّ، كنت وحدى وكانوا كُثْرًا.. قالوا لي: أنت الآن معنا، قلت أبدًا هذا لن يكون.. قتلوني، ولم يدفنوا جثتي.. أنا الآن ميت ولكننى معهم.. صديقي، ماذا بك؟ أمجنون أنت؟
- نعم، أنا المجنون العاقل، الميت الحى، بل أنا من يرى رءوس الشياطين!!
-----------------
اقتباس: لقد حاربتهم، كانوا جبناء، ولكنهم انتصروا عليّ، كنت وحدى وكانوا كُثْرًا.. قالوا لي: أنت الآن معنا، قلت أبدًا هذا لن يكون.. قتلوني، ولم يدفنوا جثتي.. أنا الآن ميت ولكننى معهم.. صديقي، ماذا بك؟