يطرح المؤرخ الفرنسى البارز هنرى لورنس، أستاذ التاريخ المعاصر للعالم العربى بالكوليج دو فرنس، فى كتابه الموسوعى مسألة فلسطين، والصادر عن المركز القومى للترجمة بالقاهرة ٢٠١٦، والذى نقله من الفرنسية إلى العربية المترجم البارز بشير السباعي، الذى يبدأ من يونيو ١٩٨٢ وينهى فى يناير ٢٠٠١، أو بمعنى أدق منذ اجتياح لبنان إلى عشية أوسلو، بقوله: الانحياز الأمريكى إلى السياسة الإسرائيلية واضح بشكل خاص فى سبتمبر ١٩٨٧، ففى ٥ سبتمبر، تؤدى غارة وقائية إسرائيلية على مخيم عين الحلوة الفلسطينى إلى مصرع أكثر من أربعين شخصًا - الحصيلة الأفدح منذ عام ١٩٨٢. وفى مجلس الأمن، يعترض الأمريكيون على بيان يشجب الغارة. وفى الوقت نفسه، تقوم الحكومة الأمريكية، فى ١٥ سبتمبر، نزولًا على رغبة جماعات الضغط الموالية لإسرائيل، بإصدار أمر بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن، وإن كانت تبقى على المكتب الموجود فى نيويورك، لأنه ضمن إطار الأمم المتحدة.
يتمثل الوهم الإسرائيلى - الأمريكى فى تصور أن تحسين الأحوال الاجتماعية - الاقتصادية فى الأراضى المحتلة سوف يسمح بالإبقاء على الوضع القائم. ولأجل هذا الهدف، فكر بيريز والملك حسين فى مشروعات عملاقة، تمولها الولايات المتحدة بالطبع، إلا أنه لم يجر القيام فعليًا إلا بالقليل جدًا من الأمور فى هذا المضمار. على العكس، لقد جرى إعطاء الأولوية للنضال ضد المؤسسات التى يسيطر عليها أنصار منظمة التحرير الفلسطينية، أى لتشديد القمع من دون أى مقابل.
وجود منظمة التحرير الفلسطينية فى الأراضى المحتلة، هو بالدرجة الأولى من فعل مجموعة من الحركات شبه السرية المكلفة بتنظيم المجتمع الفلسطينى ضمن إطار الصعود فى مواجهة الاحتلال. ويجب التصرف بالشكل المناسب وتفادى كابوس نزوح فلسطينى جديد. ثم إن مكونات منظمة التحرير الفلسطينية تشكل بالمثل أحزابًا سياسية سرية. أما الكفاح المسلح فهو يأتى بعد ذلك.
وخارج البلديات - التى وقعت، فى غالبيتها، تحت السيطرة المباشرة من جانب سلطات الاحتلال، انبثقت مجموعة بأكملها من الشخصيات المستقلة، خاصة فى القدس الشرقية. وقد برزت بوجه عام فى صفوف المهن الحرة والأوساط الجامعية. وعقدت اتفاقًا ضمنيًا مع منظمة التحرير الفلسطينية. فمن دون الانتماء رسميًا إلى حد مكونات القيادة الفلسطينية، تعترف هذه الشخصيات بسلطة المنظمة، كما أنها تعزز صفتها التمثيلية فى الخارج مع احتفاظها بحرية كبيرة فى التعبير عن نفسها. والحال أن عريضة كتبها رفاق الطريق هؤلاء قد وجهت إلى جورج شولتز حيث تولوا تسليمها إلى القنصلية الأمريكية فى منتصف أكتوبر ١٩٨٧، وهى تعبر بالفعل عن الحالة الذهنية الحقيقية فى الأراضى المحتلة: حين جرى قبل ثلاث سنوات طرح مفهوم تحسين معيشة الفلسطينيين فى ظل الاحتلال، استغرب شعبنا من أن الوارد أن يتخيل وزير خارجية الولايات المتحدة أنه بالإمكان وجود احتلال ليبرالي. فالاحتلال يعنى إخضاع شعب لسيطرة شعب آخر عن طريق العنف. ولذا فمن غير الممكن بحال من الأحوال أن يترافق الاحتلال مع تحسين لظروفنا المعيشية. وعلى الرغم من ذلك ومنذ اللحظة التى بدأتم الحديث فيها عن هذا الموضوع، سارعت السلطات الإسرائيلية إلى التصعيد فى التدابير القمعية ضد شعبنا ومؤسساتنا وحقوقنا الأساسية فى الحياة. وإذا كنتم تريدون تفاصيل عن مكابدتنا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فسيكون بإمكانكم طلبها من القنصلية الأمريكية فى القدس. ومجمل نص العريضة يمضى فى اتجاه قرارات المجلس الوطنى الفلسطينى الثامن عشر، بشأن الاستطلاع الواسع للرأى والذى أجرى فى عام ١٩٨٦. والحال إن دراسة نشرة فى خريف عام ١٩٨٧ بمناسبة مرور عشرين عامًا على الاحتلال وإنما تصف قطاع غزة بأنه «مرجل زمنى على وشك الانفجار».
وغالبية السكان يعتبرون أنفسهم موالين لفتح ويؤيدون قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وتوافق النخب على حل سياسى يمنح بإقامة دولة فلسطينية على كل الأراضى المحتلة على أساس القرارين رقم ٢٤٢ ورقم ٣٣٨.
وقد تحول شعار الصمود إلى تأكيد حازم للشخصية الفلسطينية. ويرى فيصل الحسينى ممثل فتح شبه الرسمى فى القدس إن الاحتلال مشكلة إسرائيلية أساسًا، ليس بإمكانها الصمود فى الأمد الطويل، وذلك بسبب النمو الديمغرافى العربي. وبما إن علاقات القوى الدولية تستبعد الطرد الجماعى للفلسطينيين وبما أن وضع الفصل العنصرى لا يمكنه الاستمرار، فإن الإسرائيليين سوف يضطرون بالفعل إلى البحث عن حل سياسى للحفاظ على الطبيعة اليهودية للدولة. ويمضى سارى نسبية، أستاذ الفلسفة بجامعة بيرزيت، إلى حد اقتراح ضم الأراضى مع منح المواطنة الكاملة للعرب وما يعادل عودة إلى فكرة دولة ثنائية القومية وتتجلى براجماتية النخب عبر الاتصالات المعقودة مع شخصيات من الليكود بينها موشيه عاميراب وإيهود وأولمرت، خلال صيف عام ١٩٨٧، فهذه الشخصيات تتباحث فى القدس مع فيصل الحسينى وسارى نسبية، اللذين ينقلان مضمون المباحثات إلى تونس العاصمة.