أسطر هذه الكلمات بعد سويعات من رحيل الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ، الصديق طارق حسن، رئيس تحرير «الاهرام المسائي» السابق.
مشاعر الحزن والإحساس بالفجيعة تسيطر على القلم، فقبل عشرة أيام من تدهور حالته الصحية، كانت بيننا مكالمة هاتفية شعرت خلالها بحيويته المعهودة، فقد زالت آثار الألم من نبرات صوته وأخبرنى بأنه يشعر بنوع من التحسن، وكان قد عاد لكتابة مقاله الأسبوعى فى جريدة «المصرى اليوم».
أعتقدت أن إرادته الشابه ستنتصر على المرض اللعين، لكن السرطان هذا الخبيث قرر أن تكون الفاجعة فى أستاذ وصديق تعلمت وتعلم منه الكثيرون.
المحزن فى الأمر إضافة إلى الجانب الشخصى والنفسى أن الأستاذ طارق حسن رحل ولم يكن قد وضع إلا بعض بصماته فى عالم الصحافة والسياسة كمهنى وكاتب ومحلل سياسى من طراز رفيع.
عرفته قبل نحو 15 عاما وعملت معه فى جريدة «روز اليوسف» اليومية عندما كان مديرا لتحريرها يشارك فى صناعة صحافة جادة وحيوية مع الراحل الكاتب الكبير عبدالله كمال رئيس تحرير روز اليوسف حينها.
وتعمقت معرفتى المهنية به عندما تولى رئاسة تحرير «الأهرام المسائي» ودعانى للكتابة فيها، وكنت شاهدا على الطفرة المهنية التى شهدتها الصحيفة فى عهده.
ثم كان يناير 2011 وجاء مانشيت «الأهرام المسائي» الشهير «الوتد» ليعكس وعى طارق حسن المبكر باستهداف بعض أطراف أحداث يناير للدولة المصرية لا نظام مبارك، هذا الوعى الذى ترجمته عباراته التى انهمرت خوفا على مصر أثناء مداخلة هاتفية له مع التليفزيون المصري.
أطاحت فوضى يناير بجميع رؤساء تحرير الصحف القومية دون تمييز بين المهنى والمتملق، بين الوطنى والمستفيد، وسادت حالة من النفاق العام لخطاب الهدم، وبدأ من كانوا يتزلفون وينافقون رؤساء تحريرهم فى تنظيم حملات تشويه ومقاطعة لأساتذتهم ومن فتحوا لهم الأبواب لإطلاق طاقاتهم المهنية.
وبدا الأمر وكأنه رغبة محمومة فى الانتقام والتدمير وتصفية الحسابات الشخصية، لنشهد بعد ذلك سقوطا لكل القيم والمبادئ المهنية والأخلاقية.
سرعان ما سادت تلك الحالة المرضية الوسط الصحفى والسياسى والثقافى، فكان أسوأ نتائجها حرمان الوطن من مهنيين وكتاب فى أكثر لحظات احتياجه لهم.
غاب صوت العقل والتحليل الموضوعى لتحل مكانه أقلام لا تجيد سوى كتابة الشعارات الجامدة وصياغة الهتافات الجوفاء ونسج الأكاذيب وتحويل الشائعات إلى حقائق ومعلومات.
حرمت الصحافة المصرية من قلم الأستاذ طارق حسن وكثيرين مثله بدعوى أنهم من فلول مبارك حتى أن أصدقاءهم من المحسوبين على نظام مبارك والذين قدر لهم أن يستمروا داخل دائرة الضوء رفضوا استكتابهم نفاقا وتملقا لخطاب الفوضى.
هيمن عديمو الخبرة ومن لا يقيمون للتقاليد الصحفية والمهنية وزنا على المشهد الصحفى والإعلامي، فظهر على الساحة كتاب ومحللون من المفترض أنهم مازالوا فى مرحلة التدريب أو العمل كمحررين، واجترأ على الكتابة والتحليل كل من لا يعرف قيمة الكلمة.
لم يفتح المجال للأستاذ طارق حسن إلا قبل نحو عام ليعود للكتابة داخل مصر فى صحيفة «المصرى اليوم» بعد سنوات أمضاها يكتب فى مواقع وصحف عربية لا يقرأها غالبية المصريين.
المفارقة.. فيما انشغل الوسط الصحفى والسياسى باختلاق خصومة مع جيل كامل من كبار الصحفيين والكتاب، ليصنع من جنرالات الفوضى صحفيين ونجوما على الشاشات، تصدر من داخله بين الحين والآخر أصوات تدعو للمصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية، أو المتعاطفين معها، وبعيدا عن النوايا تعكس تلك الدعوة استمرار حالة النزق السياسى والإعلامى لدى البعض والرغبة فى الظهور بمظهر المعتدل العقلانى من باب تجميل الصورة الشخصية على حساب مستقبل الوطن.
هذه الدعوة الحمقاء إذا وجدت استجابة من الدولة لن تحقق سوى إعادة الفكر الإخوانى إلى الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية، بعد أن لفظه المصريون فى ثورة الثلاثين من يونيو باكتشاف معاداته للدولة والدين معا، ثم إنه لا مجال للحديث عن المصالحة أصلا، فلسنا بصدد شقاق مجتمعى نتج عنه اضطهاد ومقاطعة الطبيب والمهندس والحرفى والبقال الإخواني، ولم يستبعد من الجهاز الإدارى للدولة إلا من ثبت تورطه فى أعمال إرهابية.
أولى بأصحاب هذه الدعوات، والفاعلين فى الوسط السياسى والصحفى والثقافى، الكف عن محاصرة كتاب وإعلاميين يؤمنون بالدولة المصرية وقيمها، ولم يحرضوا يوما عليها.
ولا ينبغى أن تحرم صحافتنا القومية من أقلام كتاب بوزن أسامة سرايا ومحمد على إبراهيم وسمير رجب وآخرين كثر.
رحم الله الأستاذ طارق حسن كما تعودت أن أناديه فقد نكأ رحيله الجرح.
---
كوتيشن: هذه الدعوة الحمقاء للمصالحة مع الإخوان، لن تحقق سوى إعادة الفكر الإخوانى إلى الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية، بعد أن لفظه المصريون فى ثورة الثلاثين من يونيو باكتشاف معاداته للدولة والدين معا