بدا غريبًا عندما سمعنا أن الأمن ألقى القبض على شخص، الأسبوع الماضي؛ بسبب تدوينة على الفيس، سبقها بأيام إعلان النائب العام أرقام تليفونات لتلقي بلاغات فيما ينشر ويبث في الإعلام والسوشيال ميديا من كذب وشائعات متعمدة غرضها المساس بأمن البلاد أو ترويع المواطنين أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للبلاد، فتبع ذلك حسرة وخوف من تضييق الحريات، وادعاء بإجراء الدولة جراحة لغلق الشفتين وأخرى لبتر الأصابع.
لكن تزول الغرابة لدى البعض حينما أدركوا أن صاحب التدوينة يدعم الإرهاب ويؤازره ويبرر أفعاله، ولديه رغبة فى الانضمام لتنظيم إرهابى للجهاد ضد قوات الجيش والشرطة ويشمت في الشهداء وينشر عبارات تحريضية ضد رموز الدولة ومؤسساتها وينشر أفكارًا متطرفة.
بينما لم يلق البعض بالًا لهذا فصمتوا! والبعض الآخر "مأمأ" بعبارات أعدموا حرية التعبير على مشانق القوانين والمصالح العليا للبلاد والحفاظ على الأمن القومي، فليس بتغريدة يتزعزع استقرار الدولة أو تنحدر قيمها إلى الدرك الأسفل، وارتفعت مزامير التعليقات والتدوينات بأن المواثيق الدولية تكفل الحق في التعبير وتمنع أي اعتداء عليه،
لينطلق "صفير" من علامات التعجب والاستفهام: لماذا مصر الدولة الوحيدة التي تقمع الحريات وتزعجها التغريدات- كما يزعج الفأر الفيل- لماذا أمريكا لا تتجسس على مواطنيها وتتتبع تدويناتهم؟ هل فرنسا وألمانيا تقبض على مواطنيها لآرائهم على الفيس؟ متى نكون مثل الدول التي لا تئد الحرية؟ وتتناثر فيها رائحة الاعتراض والمعارضة كرحيق الزهور؟ "ويطرش" شعبها ليل نهار حرية لا مثيل لها.
نحن معك والله، فالحرية مطلب شعبي ونداء ديمقراطي، وعدم الإيمان بها كفر، لكن اسمح لي أن أعطيك حقنة عضل بها محلول الواقع!
أمريكا تتجسس على مواطنيها فبلد الحريات- كما تقول- طالبت "الفيس" ببيانات 52 ألف مستخدم، طبقًا لتقرير الشفافية المعلن من إدارة الفيس والمنشور بكل وسائل الإعلام، والهند طلبت بيانات 13752 مستخدمًا، وبريطانيا قدمت 6845 طلبًا، منها 6091 للإجراءات القانونية، و754 للطوارئ، بينما قدمت ألمانيا بيانات 6251 حسابًا، وفرنسا طلبت 5485 حسابًا، وتركيا ضمن أعلى 10 دول طلبًا للمعلومات.
فيما فصلت إسرائيل الصحفي (كوبي ميدان)، الذى يعمل فى راديو الجيش بعد تغريدة قال فيها بعد أحداث غزة الأخيرة: "أخجل من كوني إسرائيليًّا".
إسرائيل أيضًا أبرمت اتفاقًا مع الفيس يقضي بمراقبة المحتوى الفلسطيني على الموقع، وإزالة ما سموه "مضامين إرهابية" تمس وتحرض ضد "إسرائيل"، وحذف كل ما يزعج الاحتلال من منشورات وصفحات وحسابات.
وفي فرنسا شن إرهابي هجومًا على ماركت أسفر عن مقتل ضابط شرطة قد سلم نفسه فى شجاعة للإرهابى كرهينة، مقابل أن يطلق سراح رهينة، فقام سياسي بارز بتغريدة أبدى فيها شماتة بمقتل الشرطي، فقامت السلطات الفرنسية فورًا بإلقاء القبض عليه، ومحت تغريدته، وأُحيل للمحاكمة بتهمة تبرير الإرهاب والتعاطف معه، وهى تهمة تصل عقوبتها إلى السجن لمدة سبع سنوات، وغرامة مئة ألف يورو، وقد قام الحزب المنتمي إليه هذا السياسى بفصله، وأصدر رئيسه بيانًا يشجب تغريدته، ويمتدح شجاعة وبطولة الضابط القتيل.
هذه هي الدول المتقدمة التي تضربون بها المثل في الحرية! هل عرفتم أن حريتكم عورة يجب سترها، ووعاء لإنجاب الإرهاب يجب تغطيته، ووسيلة للهدم لزم تغييرها، والإيمان بها كفر، ووسيلة حق تريدون بها باطل، وآية تنطق عن الهوى، فالدول تقتل الحرية بسيف المصلحة العليا للبلاد، ومصر تؤمن كغيرها بالتداول الحر للأفكار والآراء كأحد حقوق المواطن المهمة مع مسئوليته عن سوء استعمال هذه الحرية في الحالات التي يحددها القانون.
لسه مصدق نفسك؟ واضح إنك عايش في عالم افتراضي!