رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفلسفة والحرب على الإرهاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواصل القوات المسلحة تقديم أروع صور الشجاعة والتضحية لتطهير سيناء من البؤر الإرهابية والتصدى- بكل حزم وقوة- لكل من تسول له نفسه العبث بحدود الوطن ومقدراته، وذلك تنفيذًا للعملية الشاملة «سيناء ٢٠١٨» لمواجهة الإرهاب، والتى بدأت صباح يوم الجمعة ٩ فبراير الماضي، حيث نفذت قوات «إنفاذ القانون» خطة لمواجهة العناصر الإرهابية على كافة الاتجاهات الاستراتيجية بهدف إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية للدولة المصرية، وتطهير المناطق التى توجد بها العناصر الإرهابية. وقد استخدمت القوات المسلحة القوة الغاشمة بكل أُفُرعِها: الجوية، والبحرية، والمشاة، والمظلات، والدفاع الجوي، والمدفعية... وكل ما يمكن الجيش استخدامه.
وعلى الرغم من أن ظاهرة «الإرهاب» تُعد من الظواهر التى اتسم بها عصرنا الراهن، فلا شك كذلك أنها ظاهرة قديمة قدم المجتمعات البشرية ذاتها، فقد وجُدت منذ أن وجُدت الدولة بشكلها المعروف، ونشأت فى ظل عوامل نفسية واجتماعية خاصة، وتحت ظروف سياسة واقتصادية وثقافية معينة، وحين نتحدث عن الفلسفة بوصفها شاهدة على العصر وتقدم حلًا لمواجهة العنف والإرهاب، نقول إن لدى الفلسفة منهجية التفكير الذى يقوم على إعلاء قيمة العقل والتأمل والتفكير النقدى الحر الذى لا يقبل بالمسلمات، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الفلسفة تواكب أحداث العصر وتتفاعل معها. 
ومن أبرز التحديات الملحة والمعيشة التى تلقى بظلالها السوداء والمظلمة على الفكر الفلسفي، «ظاهرة الإرهاب» بوصفها مفهومًا وفعلًا وممارسة. فمنذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر ٢٠١١، التى قسمت التاريخ الإنسانى المعاصر إلى لحظتين متمايزتين: لحظة ما قبل الحادى عشر من سبتمبر، ولحظة ما بعد الحادى عشر من سبتمبر؛ وقسمت العالم أيضًا إلى فريقين غير متكافئين: حلفاء الخير (بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية) وحلفاء الشر بزعامة (تنظيم القاعدة)، فظهر على الساحة السياسية والفكرية العالمية مفهوم جديد قديم هو مفهوم الإرهاب، الذى اختلفت معانيه ومضامينه عبر التاريخ السياسى للمجتمعات. ويُعد الإرهاب من الظواهر الاجتماعية التى تنشأ فى ظل عوامل نفسية واجتماعية خاصة، وتحت ظروف سياسية واقتصادية وثقافية معينة تتطلب إصلاحًا، وتشترك جميع هذه العوامل والظروف بشكل أو بآخر فى إفراز ظاهرة الإرهاب فى الواقع الاجتماعي؛ ومن ثم فإن أى معالجة لهذه الظاهرة تتطلب إصلاحًا حقيقًيا فى جملة هذه العوامل والظروف التى تساعد على وجود هذه الظاهرة. 
ورغم كثرة المؤلفات التى تناولت موضوع الإرهاب فى الأدبيات السياسية كما فى باقى الحقول الاجتماعية، فلم يستقر الباحثون على تعريف مصطلح الإرهاب وتحديده وضبطه. لكن هناك اتفاقا- فى كل ما كُتب- على أن الإرهاب هو استخدام العنف غير القانونى بأشكاله المختلفة كالاغتيال والتعذيب والتخريب والنسف، بغية تحقيق هدف سياسى معين مثل: كسر روح المقاومة والالتزام عند الأفراد، وهدم المعنويات عند الهيئات والمؤسسات، أو كوسيلة من وسائل الحصول على معلومات أو مال. ونكاد نعثر على هذا التعريف للإرهاب فى كل الموسوعات والمؤلفات التى تطرقت إلى مفهومه. ومن الفلاسفة من انخرط فى دوامة البحث فى هذا التعريف، ومنهم الفيلسوف الأمريكى المعاصر «نعوم تشومسكي» الذى يعتبر من بين أكثر المفكرين تأثيرًا فى العالم، لكونه ناقدًا جريئًا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وقد تساءل: لماذا ينبغى عَدُ مفهوم الإرهاب مفهومًا عويصًا؟ لقد رأى أن هناك تعريفات متعددة استخدمتها الحكومة الأمريكية للإرهاب، منها تعريف كتيب الجيش الأمريكى للإرهاب بأنه: «استخدام العنف أو التهديد بالعنف بهدف تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية، وذلك من أجل التهويل أو الإكراه أو بث الخوف». وتشومسكى يرى أن هذا التعريف قريب من مجموعة التعريفات المستخدمة فى الكتب الأكاديمية، وغيرها من المواطن التى قد يُستخدم فيها هذا المصطلح. كما تُعرف الحكومة البريطانية الإرهاب بأنه: «اللجوء إلى عمل أو التهديد باللجوء إلى عمل عنيف ضار يُقصد منه التأثير فى الحكومة، أو ترويع الجمهور؛ بغرض الترويج لقضية سياسية أو دينية أو أيديولوجية». 
لقد ظل تشومسكى يكتب عن الإرهاب منذ عام ١٩٨١ أى السنة التى اعتلى فيها ريجان سُدَّة الحكم، وأعلنت إدارته أنها ستركز اهتمامها على محاربة الإرهاب الدولى الذى تقوم به الدول. ومنذ الحرب التى أعلنها ريجان على الإرهاب، أثار هذا اهتمام تشومسكى وأخذ على عاتقه تخصيص العديد من المؤلفات التى تتعلق بهذا الشأن، حيث ارتبط الإرهاب بالديمقراطية- من وجهة نظر تشومسكى- فالدول الديمقراطية أكثر عرضة للإرهاب عن باقى أنواع الحكومات الأخرى. وأصبح الإرهاب يشغل حيزًا كبيرًا من الرأى العام فى الثمانينيات مع إعلان ريجان الحرب على الإرهاب، حيث تركزت هذه الحملة بنوع خاص على الإرهاب الموجه إلى الدول فى أنحاء العالم، ابتداء من شبكة قاعدتها السوفييت ممتدة إلى العالم كله؛ مستهدفة زعزعة المجتمع الغربى الديمقراطي، حيث كان المحور الفكرى لحملة ريجان هو توجيه الاتهام للشبكة وإعلان مسئوليتها عن أى عمل إرهابي. وورد فى القانون الجنائى للولايات المتحدة أنه يمكن عَدُ الفعل عملًا إرهابيًا إذا كان يعنى نشاطًا:
- يتضمن عملًا إرهابيًا أو عملًا خطرًا على الحياة الإنسانية مخالفًا للقوانين.
- يتعين أنه كان يهدف إلى تخويف سكان مدنيين أو إكراههم، والتأثير فى سياسة حكومة من الحكومات عن طريق التخويف أو الإكراه، وتغيير مسالك حكومة من الحكومات بالقتل أو الاختطاف. 
وحسب هذا التصور لمقومات الإرهاب وعلله، سنجد خلطًا بين الإرهاب وأنواع الاعتداءات وما يقابلها من ردود فعل من جهة، وبين الإرهاب والمقاومة من جهة أخرى. ومنذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، تطورت صناعة مدرسية مع إصدار مجلدات ومؤتمرات ضخمة للأمم المتحدة، لكى يروا ما إذا كان ثمة أحد يستطيع حل هذه المشكلة الصعبة لتعريف الإرهاب. يقول تشومسكي: «هناك طريقة سهلة لتعريف الإرهاب وهى التوقف عن الإسهام فيه، فذلك وحده سوف يقلص عملية الإرهاب فى العالم بصورة كبيرة، إذن الإرهاب مصطلح يتسم بمعان خاصة فيما أطلق عليه تشومسكى اسم «اللغة الجديدة» المستخدمة فى الولايات المتحدة، فكلمة الإرهاب تشير إلى الأعمال الإرهابية التى يقوم بها مختلف القراصنة، أما الأعمال الإرهابية التى يقوم بها الإمبراطور وعملاؤه فتسمى ردًا انتقاميًا أو ربما ضربات وقائية مشروعة للحيلولة دون وقوع أعمال إرهاب بشكل منفصل تمامًا عن الحقائق. مثل هذه المصطلحات وغيرها لها معنى فنى فى الخطاب الأيديولوجي، أى أن الكلمة لا تعبر عن معناها، بل استخدمت من أجل خدمة أغراض سياسية أخرى غير تلك المعلنة فى الخطاب. ومن هنا يُنظر إلى الولايات المتحدة - فى جميع أنحاء العالم- بوصفها دولة إرهابية من الطراز الأول، وهذا ما يؤكده تشومسكى بأن هناك دولا إرهابية كثيرة فى العالم، ولكن الولايات المتحدة تنفرد رسميًا بالإرهاب الدولي.
ونستكمل حديثنا فى مقال الغد