من أكثر الإشكاليات التي تواجه مؤسسات حقوق الإنسان منذ نشأتها وإلى الآن التداخل بين الحقوقي والسياسي ، وفي مصر بعد 30 يونيو ظهر هذا التداخل واندفع عدد كبير من نشطاء حقوق الإنسان إلى معترك العمل السياسي وظهرت انحيازاتهم السياسية تجاه القضايا الحقوقية التي يعملون عليها، مما هدد حيادهم ومكن من الطعن فيهم وفى جدوى ما يقدمونه للرأي العام من انتهاكات، لأنه سيقف وراءها إما أجندات القوى السياسية التي ينتمون إليها أو أجندة الممول والداعم لعملهم في مصر .
والحقيقة أن هذه المنظمات ومعها مؤسسات المجتمع المدني تعانى كثيرًا بسبب القيود القانونية التي وضعتها عليهم الحكومات المتعاقبة وكانت حجتها تحجيم التداخل بين متطلبات المواطن المصري من الحقوق وإرادة الممول الخارجي.. إلا أن التحرش الذي تقوم به عدد من المنظمات الدولية الآن والتشكيك في نوايا السلطة الانتقالية والهجوم الشديد عليها بسبب إدراجها للإخوان المسلمين كجماعة إرهابية يثير الكثير من علامات الاستفهام ، فلماذا تشن مؤسسة مثل "هيومان رايتس ووتش " حربا بلا هوادة على مصر منذ سقوط الإخوان ومعهم مؤسسة تستخدم اسم المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وكلاهما عليه علامات استفهام عديدة وشبهات تتعلق بمدى مهنية ما يصدرونه من بيانات حول حقوق الانسان وتمويل أنشطتهم سواء من الحكومة الأمريكية أو القطرية .
نشأت "الهيومان رايتس ووتش " عام 1978 من أجل مراقبة حقوق الإنسان في دول الكتلة الشرقية، وقت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي القديم، والمتابع لها يجد اتساقا غريبا بين تصريحاتها وبياناتها مع السياسة الخارجية الأمريكية منذ ذلك الحين .. فمثلا من أين علمت سارة واتسون المسئولة عن الشرق الأوسط أن الاتهامات الموجهة لمرسي في قضية التخابر خيالية ؟..هل اطلعت مثلا على أوراق القضية والتحريات؟ .. ولماذا قررت الافتئات على القضاء المصري صاحب الكلمة الفصل في القضية ؟ وهل موقفها نابع من قلق الخارجية الأمريكية ؟..وهل هذا عمل حقوقي أم سياسي ؟!
في نفس خندق الهجوم تقف المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ..فهي على خلاف مع المنظمة الأم من قبل 30 يونيو بعدما سيطرت عليها مجموعة لا تنتمي للمنظمة وانحازت إلى الإخوان المحظورة في كل بياناتها، مما أدى إلى إدانة المنظمة الأم لها في القاهرة ومطالبة علاء شلبي الأمين العام للمنظمة العربية للحكومة البريطانية بتجميد نشاطها، خاصة أنها كانت مصدر شائعة أطلقت حول تواجد إسرائيلي في محيط المجري الملاحي وهو أمر لا يمت بأي صلة من قريب أو بعيد لحقوق الإنسان .
إذن الهجوم على مصر هذه المرة مقصود وفي القلب منه رغبة من الخارج في التدخل في الشأن الداخلي المصري وهو أمر بعيد تماماً عن رسالة حقوق الإنسان السامية التي حملها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي نادى بالاستقلال واحترام حق الإنسان في تقرير مصيره .. ويجب على المنظمات المحلية أن تنتبه لخطورة ما يجرى وخطورة الزج بها في الوقوف ضد المصلحة الوطنية .. فالجميع يعلم أن تنظيم الإخوان الإرهابي هو الحاضن الرئيسي لكل الجماعات الإرهابية في مصر والعالم ..هو صاحب بذرة التكفير والعنف باسم الدين، ومنه تفرعت الجماعات الإسلامية العنيفة حتى وصلنا إلى القاعدة وأنصار بيت المقدس ..وكلها جماعات تهدد حياة الإنسان وأمن المجتمعات.
كيف يمكن أن ننسى تهديد الإخوان بحرق مصر إذا لم يعلن فوز مرسى بالرئاسة؟.. أو ننسى إخراجه للإرهابيين من السجون؟ ..كيف ننسى ما حدث في الاتحادية .. ننسى تهديد مرسى لمعارضيه بالدماء فداء لشرعيته الزائفة ؟.. كيف ننسى تهديد خيرت الشاطر للفريق السيسي بالفوضى في حالة الخروج على مرسي؟ ..كيف ننسى وعد البلتاجي للمصريين بوقف ما يحدث ضد الجيش في سيناء إذا عاد مرسي للحكم؟.. كل هذه الاسئلة تنويعات على لحن أساسي هو "إما نحكمكم أو نقتلكم ".. فكيف بعد كل هذا القتل والتفجير والتكفير وتحدى إرادة المجتمع لا نعتبرها إرهابية ..كيف ترى هيومان رايتس ووتش أن كل ما فات سلمى إلا إذا كانت مصابه بالعمى أو بالتعامي .