ما بين ثورة وعمل ثوري وانتفاضة يقف كل منا للدفاع عن وجهة نظره في 25 يناير ، لم يقلقني المصطلح ، أيّا ما كان وأيّا ما سيكون ، وما بين الإيمان بأنها ثورة بنص مقدس لا يجب تحريفه أو استبداله ، والكفر بالنص كونها مؤامرة من وجهة نظر المُكَفّرِين ، أقف متأملا حالة الجدل "الإكس لارج" التي يتجادل به المتجادلين والمتناحرين !
جدل لا يُثمن ولا يُغني من جوع ، نقاشات لا تُخرج المجتمع من كبوته ، ولا تُوقظ الأحزاب من ثُباتها العميق ، ولا تُرسخ ديمقراطية ، ولا تُعلي أمة ، ولا تُنجز تحديات جسيمة ، ولا تُزيل عقبات ، ولا تُشيد عمرانا ، ولا تُصلح نظاما سياسيا ، ولا تُنضج حياةّ سياسية ، ولا تَرفع الأعباء المعيشية ، ولا تكسي البردان ، ولا تستر فقيرا ، ولا تروي ظمأنا ، ولا تُشبع جعانا ، ولا تُعالج تعبانا ، ولا تُعلم الأمي ، ولا تُنعش اقتصادا ، ولا تبني دولةّ ، ولا تُحيي شهداء ، ولا تَقْتَص للورود -إللي فتحت في جناين ميادين يناير-
قُل عليها ثورة أو انتفاضة أو هوجة أو مؤامرة أو مخططاً خارجياً ، لا فرق! فالتسميّة لن تلغي ما جرى أو توقف تداعياته .
فالمصطلحات كلها تؤدي إلي "يناير" ، فالثورة : إندفاع عنيف إلى تغيير الأوضاع السِّياسيَّة والإجتماعيَّة تغييرًا أساسيًّا ، يحركه عدم الرضا أو التطلع إلى الأفضل ، والعمل الثوري : عَمَلٌ يَكْتَسِي صِبْغَةَ الثَّوْرَةِ والعُنْفِ والهَيَجانِ ، بينما الإنتفاضة : حركة شعبية سياسية أو إجتماعية واسعة لمقاومة الظلم تغلب عليها القوَّة والعنف والهيجان ، بينما المؤامرة : مكيدة للقيام بعملٍ معادٍ إزاء حكم أو بلد أو شخص ما ، يدبِّره أشخاص في الخفاء ويصمِّمون على تنفيذه ضدّ شخصٍ أو مؤسّسةٍ أو أمن دولة .
لكن -تقديري الشخصي- 25 يناير 2011 بدأت كعمل ثوري تحول إلي إنتفاضة ثم تدرج إلي ثورة تآمر عليها من كانت لهم مأرب أخري ، مستغلين يناير – العمل الثوري والانتفاضة والثورة - كساحة للمقايضة على مكاسب .
الحقيقة ما يجب أن نتجادل فيه ونطرحه للسؤال هل "يناير" حققت أهدافها الرئيسية : العيش ، الحرية ، الكرامة الإنسانية ، والعدالة الاجتماعية ؟ أم لا ؟
حقاّ يشعر البعض ولست أدري هل أغلبية أم أقلية ؟ - فليس لدي إحصائية - بأن أركان الثورة الأربعة من عيش وحرية وكرامة وعدالة مجرد أطلال وقصائد قديمة ، وشعارات لم تكن تساوي ثمن الحِبر الذي كتب به لافتات الميادين .
لكن لا تغفل ! أن الرئيس السيسي إستلم وطنا غارقا في جراحه ، فبدأ يلملمه ويجفف دماءه ، ويسابق الزمن لاستعادة شِفاءه ، استلم وطنا مشتعلا بالانقسامات الداخلية ، استلم وطنا برزت فيه جماعات وقوي إرهابية أنهكت الاقتصاد وحصدت أرواح الأبرياء ، إستلم وطنا بعد ثورتين مُفَكك بنيته التحتية وجهازه الإدارى متهالك
وخَرُبت مؤسساته .
استلم وطنا وسط انهيار المفاوضات بين مصر وإثيوبيا فيما يتعلق بملف سد النهضة ، استلم وطنا فيه عجز فى إنتاج الكهرباء بلغ 4000 ميجا ، وارتفاع معدل التضخم ليصل إلى 9 % تقريبا ، ووصول معدل البطالة إلى نسبة 13.4 %، ووصول الاحتياطى النقدى إلى أقل مستوياته ليصل إلى 15 مليار دولار، وانخفاض التصنيف الائتمائي إلى أقل درجات التصنيف ، بالإضافة إلى موقف سياسى دولى غير معترف بإرادة المصريين فى ثورة الثلاثين من يونيو ، وأوضاع إقليمية متوترة .
فمن يريد منا أن يشيّد بيتا قد كسته التشققات العمودية والأفقية والقطرية في الأسوار والجدران الداخلية والخارجية ، وسكنت في عدد من غرفه الثعابين والأفاعي ، وأنهكته العوامل الجوية والبيئية ، وحللت المياه الجوفية أساسه وتربته ، وحديده متآكل في العمود الرئيسي وحول الكمرات المدفونة ورقاب الأعمدة ، فأصبح أيل للسقوط ! ثم تفاجأ بوجود تشققات قطرية في العمائر المجاورة تحول دون إعادة بنائك إلا إذا تم تنكيس العمارات الأخري ! تري كم من الوقت لإعادة بنائه ؟
هكذا حال الرئيس في إعادة مصر الآيلة للسقوط ، والتي وضع أساسها في الأربع سنوات الأولى من رئاسته، وسيستكمل التشييد والبناء والتنمية في حال فوزه بفترة رئاسية ثانية وأخيرة!