أشعر أننى تركت قطعة من قلبى هنا فى مصر. وربما هو هذا بالتحديد ما فعلته.
سأفتقد أسرتى المصرية التى دللتنى فى كل لحظة. سوف أفتقد الطعام اللذيذ والحار، الذى
يجعلنى أرقص رقصاً بلديًا لجمال التذوق. سوف أفتقد مشهد الأهرامات الرائع. سوف أفتقد
وجه أبو الهول. سأفتقد النيل والمدينة التى تعكسها. سوف أفتقد الأزقة التى تتألق مثل
الأحجار الكريمة. سوف أفتقد المساجد ومآذنها العالية. سوف أفتقد شعورى بالدهشة من العادات
المصرية. سأفتقد عدم وجود حياة منظمة بجداول وحياة فى الليل. سأفتقد كونى موضع ترحيب
دائمًا وفى كل مكان. سأفتقد الموسيقى العربية التى لا أفهمها، ولكننى أعلم أنها تتحدث
دائمًا عن الحب. سأفتقد اهتمام الشعب المصرى تجاه الشعب الأجنبى، ومدى أهمية أن تكون
سعيداً بالنسبة لهم؛ سأفتقد وجهك المبتسم. سوف أفتقد تفانيك وحبك لبلدك.
مصر
قطعة من قلبى
الآن، أصبحت مصر قطعة من قلبى، أشعر بارتباط
قوى بهذا البلد، لقد تعلمت التعرف عليه، فهمته وأحببته، بدأ كل هذا منذ أربع سنوات
بالتحديد، حينما كنت فى إنجلترا لتحسين لغتى الإنجليزية، وهنا قابلت شابة مصرية، اسمها
شاهندة عبدالرحيم، وكنت مندهشة من الطريقة التى تتكلم بها دائمًا عن بلدها، وشعرت فى
كل كلمة من كلماتها مدى شغفها ببلدها، وهو ما آثار لدى تساؤلات، وساورتنى الرغبة فى
أن أرى بنفسى هذا المكان لأكوّن انطباعى الخاص عنه، بعد ستة أشهر، قمت برحلتى الأولى
لمصر، ولكن لمدة قصيرة فحسب، وربما هذا ما زاد شوقى لمعرفتها بشكل أعمق. بعدها قررت
أن أبدأ عام ٢٠١٨ بجولة فى هذا البلد، وذلك لأنى شعرت بأن ثمة أمرا معلقاً لم أكتشفه
بعد، ولأنى بالأحرى اشتقت جدًا لصديقتى وعائلتها التى أحسنت استقبالى منذ اللحظة الأولى
التى التقيتهم فيها وكأنى ابنة لهم.
وقت
المساء فى مصر للحياة وليس للنوم
هبطت طائرتى فى ٢ يناير، فى الساعة التاسعة
وخمس وعشرين دقيقة مساءً وبدأت مغامرتى، على الفور استولت علىَّ الوتيرة المصرية، وبالتالى،
انقلب جدولى اليومى رأسًا على عقب، فى مصر، وقت المساء ليس للنوم، وقت المساء فى مصر
للحياة! أنا شغوفة بهذه الكيفية التى تستطيع بها الشعور بالحياة هنا وأن أستمتع بها
بشكل كامل.
شربت
الشاى بالنعناع
فى الأيام التالية، قمت باختبار كل شىء
والجميع أثروا فىَّ بشكل عميق، لقد رأيت العمل الروتينى فى المكاتب، ومسست القلب الخافق
لحى الجمالية، ملأت عيونى بألوان الأزقة التى تتلألأ كالأحجار الكريمة، ركبت حصانا
فى الصحراء مع شروق الشمس، أما عند غروب الشمس وهبوط الليل، شربت الشاى بالنعناع مع
البدو، لم أشعر بالوقت وأنا أستمتع، فى عجب، بمشاهدة الأهرامات الهائلة، أتأمل المدينة
من أعلى حيث يقبع أبوالهول، ورقصت الرقص البلدى طوال الليل، رأيت الثلوج فى مول مصر.
إيلينورا
والنيل
أبحرت فى النيل فى فلوكة تحظى بقبلات من
أشعة الشمس، ثم وقعت فى غرام توت عنخ آمون فى المتحف المصرى فى القاهرة، لقد أحببت
شفتيه المثالية وعيونه شديدة الحيوية، وواتنى الفرصة للتواصل مع العادات اليومية فى
الناصرية فى أماكن التى يتردد عليها أناس شعبيون بسطاء، سافرت إلى الماضى مع سحر «عرض
الصوت والضوء» فى الجيزة حيث شاهدت الأهرام وأبوالهول وقد بُثت فيهما الحياة، لقد شعرت
بنفسى كعالم آثار يذهب داخل مقابر الفراعنة.
محشى
الكوسة والممبار انفجار حقيقى
لم تشبع هذه التجربة عيناى فقط، بل أشبعت
معدتى أيضًا، أنا إيطالية، وبالنسبة لى، الأكل اللذيذ هو أحد الأشياء المهمة جدًا فى
حياتى! حسنًا، لقد جربت كل الأطباق على المائدة المصرية، من «فاتح الشهية» حمص الشام،
واللحم المطبوخ فى طاجن، محشى الكوسة، الكباب، الممبار اللذيذ، كبدة جملى، الرنجة المدخنة
والمملحة، كشرى وملوخية، مُقدمة بطريقة راقصة الشهية، عكاوى وسجق.. وبعد ذلك الحلويات،
وهى لذيذة لدرجة تحيلك إلى طفل من جديد: السوبيا والكسكسى الشهى والقنبلة، انفجار حقيقى!.
لم
أشعر أبدا أنى فى بلد خطرة
تمر الأيام بسرعة، وحان وقت الرحيل على
عجل، كل يوم أمضيته فى مصر كان مكثفًا ومُفعمًا بالمشاعر الإيجابية، شعرت بالترحاب
أينما ذهبت، وأكن كل التقدير لطيبة ولطف الشعب المصرى، واهتمامهم بالأجانب، وحرصهم
على سعادتهم، احترم إخلاصهم لبلادهم وحبهم لها ورغبتهم فى مشاركة الآخرين لتقاليدهم
وتاريخهم، كم أرغب فى التنويه بل التشديد على أنى لم أشعر أبدًا أنى فى بلد خطرة كما
يُشاع، فى الواقع، كنت مُدللة فى كل مكان.
زوروا
مصر وسوف تقعون فى غرامها
والسلام
ختام:
أنا شاكرة لهذه الفرصة الرائعة التى أتاحتها
لى زيارة هذا البلد، وممتنة لأنه كان من الأجمل أن أراها من خلال انعكاسها فى عيون
شعبها الذى يعيشها، نصيحتى زوروا مصر وسوف تقعون فى غرامها.
يوليو 1988 : ولدت إيلينورا باتريسيو فى
مدينة تورينو شمال إيطاليا
يناير 2014 : ذهبت لتدرس الإنجليزية فى
إنجلترا فى برايتون
يونيو 2015 زارت مصر لأول مرة بدعوة من
صديقتها المصرية
يناير 2018 جاءت إلى مصر مرة أخرى بناءً
على رغبتها الشخصية واختارتها من بين عواصم ومدن كثيرة لتقضى بها إجازتها