تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
كلنا يعرف العبارة النبوئية الشهيرة لأندريه مالرو: سيكون القرن الواحد والعشرون دينيا أو أنه لن يكون! ولكن وفقًا لقول الكاتب المسيحى أندريه فروسار لم يقل أندريه مالرو ذلك بصريح العبارة وإنما قال: القرن الواحد والعشرون سيكون صوفيًا أو أنه لن يكون. وعلى سبيل التورية علق فروسار قائلا: وهذا ليس الشيء نفسه بالضبط؛ فعلى الرغم من التشابه إلا أن هناك فرقا بين العبارتين. والواقع أن الفرق ليس بسيطًا بين هاتين الصياغتين على عكس ما نتوهم. والدليل على هذا ذلك الاستقطاب الحاد الموجود فى الإسلام بين التدين الظاهرى من جهة، والتدين الباطنى من جهة أخرى. ولكن بدلا من كلمة صوفى التى أصبحت مبتذلة فى الوقت الراهن من كثرة الاستخدام، يفضل أن نستخدم كلمة روحانى؟ وعندئذ تصبح العبارة: القرن الواحد والعشرون سيكون روحانيا أو أنه لن يكون. وهذا أفضل. والواقع أن هناك نسخة أخرى من عبارة مالرو تعبر عن نفس المعنى وتستخدم كلمة روحانى بدلا من دينى أو صوفى.
كان أندريه مالرو قد أنكر فى عدة مناسبات أن يكون هو قائل هذه العبارة الشهيرة:
«القرن الواحد والعشرون سيكون دينيًا أو لن يكون». ولكن إذا كان قد أنكر مسئوليته عنها فالتعليقات التى أضافها إلى هذا الإنكار شديد الدلالة والمغزى، فقد قال ما يلى: «ما قلته أقل يقينا أو احتمالا فى الحدوث، كل ما أستطيع قوله هو أنى لا أستبعد وقوع حدث روحانى على الصعيد الكونى»، ثم أضاف: «بالمقابل أعتقد أن البشرية فى القرن الواحد والعشرين، لن تجد فى أى مكان نموذجا مثاليًا للإنسان. الأمور سوف تتدهور والأوضاع لن تكون على ما يرام». بهذه المقدمة بدأ الكاتب الفرنسى إريك يونس جوفروا الذى اعتنق الإسلام وعمرة ٢٧ عاما بعد رحلة بحث فى الديانات سلك طريق التصوف، يقوم بالتدريس بجامعة ستراسبورج بفرنسا بمعهد الدراسات العربية والإسلامية من مؤلفاته طريقة صوفية فى العالم، وكتاب المستقبل للإسلام الروحاني، والذى نقله من الفرنسية إلى العربية هاشم صالح والصادر عن المركز القومى للترجمة بالقاهرة ٢٠١٦. ويحدد المؤلف أشكال قلب معنى القيم الأولية فى الإسلام على النحو التالي:
أولا: الإسلام الأولى يقلل من خطورة «الخطيئة الأولى» التى ارتكبها آدم فى الجنة أو قل يعتبرها نسبية، فهو يرى أنها لم تؤثر على «الطبيعة الأساسية الخالصة» للإنسان، وبالتالى فلم تكن لها انعكاسات سلبية على الحياة الإنسانية الأرضية. هذه هى الأطروحة الأولى والآن كيف انقلبت هذه القيمة إلى عكسها فى عصور الانحطاط والجمود؟ عن طريق الهوس بالخطيئة والتحريم (أو الحرام بحسب اللغة الإسلامية). من هنا انقلاب الحياء وهو قيمة إيجابية، إلى الإفراط فى الخجل أو الحياء المتصنع وهو قيمة سلبية.
ثانيًا: المبدأ القرآنى الذى يتحدث عن الحرية والمسئولية الفردية عن الأعمال، انقلب إلى تواكلية وقدرية «شرقية» (أو المكتوب! كما يقال فى العامية الدارجة). هذا القلب لقيمة إيجابية إلى قيمة سلبية ناتج عن سوء فهم للعقيدة الإلهية الإسلامية الخاصة بالقضاء والقدر. فى الواقع اختلفت المذاهب الإسلامية، منذ البداية، حول هذه المسألة: أقصد مسألة عزو الفعل البشرى. فقد كان السؤال المطروح هو التالي: عندما يتصرف الإنسان أو يقوم بعمل ما، فمن فاعل العمل؟: هل هو الله أم الإنسان؟.. وللحديث بقية.