يخطئ من يظن أن علاقة حسن البنا بأفراد جماعته هي محض علاقة شيخ بطلابه، أو معلم بتلامذته، أو حتى مرشد روحي بأتباعه، ولكن الحقيقة التي لا يمكن تغافلها أن العلاقة بين حسن البنا وأتباعه أعلى منذ ذلك بكثير، تصل – بل وربما تزيد – عن علاقة نبي بأمته أو رسول بمن أُرسل إليهم.
وهذا الأمر في الواقع، وذات الأمر ليس مبالغة في الذم أو فجورًا في الخصومة – معاذ الله – بل هو حقيقة مبنية على أدلة دامغة لا يمكن نفيها أو حتى تأويلها، وإذا نظرت في فكر "سيد قطب" وما كان يردده كثيرًا من أن الجاهلية قد عادت أشدّ مما كانت قبل بزوغ شمس الإسلام وقبل البعثة، وأن الإسلام قد انتهى منذ قرون عديدة، وعدّدها وكرّرها كثيرًا مراتٍ ومرات، وقد ظللتُ مدة طويلة أريد أن أعرف بما يقصد بــــ "القرون" وكم عددها، وظللت أبحث حتى وجدته صرح بأنه يقصد بذلك ما يقارب أربعة عشر قرنًا، فصرح بأن الإسلام انتهى بانتهاء الخلافة الراشدة، يعني بعد ثلاثين عامًا من موت النبي – صلى الله عليه و سلم – فكان "سيد قطب" يعتقد أن لا إسلام في الوجود منذ انتهت خلافة النبوة، وظل كذلك لقرون عديدة حتى بعث الله نبي هذا الزمان: "حسن البنا" عليه السلام!، فقد جاء البنا لينشئ الإسلام من جديد!.
وهذا ما كان بالفعل يعتقده البنا، فقد كان البنا يرى نفسه نبيًا ويرى جماعته هي الإسلام وأن أفرادها هم "جماعة المسلمين"، ومن عداها أو عاداها فليس من الإسلام في شيء!، وقد كان البنا يؤكد هذا المعنى في كلامه وأفعاله فيقول: "و من هنا كان واجبي أن أشرح لكم في وضوح موجز دعوة الإسلام في القرن الرابع عشر"!، ثم بدأ يشرح قائلًا: "دعوة الإخوان المسلمين أو دعوة الإسلام في القرن الهجري الرابع عشر"، ثم يصنف الناس على هذا الأساس إلى أربعة أقسام: "مؤمن - متردد - نفعي - ومتحامل"، وعليه فليس أمام أي إنسان سوى أن يكون إما مؤمنًا – أي منتميًا إلى الجماعة – أو يكون متردِّدًا نفعيًا متحاملًا على الإخوان، أو إن شئت الدقة على الإسلام!!، ويزيد الأمر وضوحًا ما قرّره "حسن البنا" في رسالته إلى الشباب بقوله: "أيها الشباب، على هذه القواعد الثابتة وإلى هذه التعاليم السامية ندعوكم جميعًا، فإن آمنتم بفكرتنا واتبعتم خطواتنا وسلكتم معنا سبيل الإسلام الحنيف، وتجردتم من كل فكرة سوى ذلك، ووقفتم لعقيدتكم كل جهودكم فهو الخير لكم في الدنيا والآخرة، وسيحقق الله بكم - إن شاء الله - ما حقق بأسلافكم في العصر الأول - لاحظ أنه لا يرى إلا نفسه والعصر الأول وما بين ذلك لا شيء – وسيجد كل عامل صادق منكم في "ميدان الإسلام" ما يرضي همّته ويستغرق نشاطه إذا كان من الصادقين، وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب والتردد بين الدعوات الجائرة والمناهج الفاشلة فإن "كتيبة الله" ستسير غير عابئة بقلة ولا بكثرة، فكما قال الله "وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم".
وهذا المعنى كان ولا يزال واضحًا عند الإخوان المسلمين - عامتهم وخاصتهم وقادتهم وتابعيهم - وهو ما سنبينه من كلامهم بنصه إن شاء الله في الأسبوع القادم إن أراد الله وكتب لنا عُمْرًا .