السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

خوان رامون خيمينيث.. شاعر إسبانيا الانعزالي الواهم

خوان رامون خيمينيث
خوان رامون خيمينيث
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الشاعر الإسباني خوان رامون خيمينيث مانتيكون، غزير الإنتاج، حصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1956 ومن أشهر أعماله "بلاتيرو وأنا".
ولد خوان رامون في بلدة "موغير"، درس أول أعوامه فيها ثم انتقل بعدها إلى "قادس" ليدرس في المدرسة اليسوعية، وهناك تعرف على أسماء أدبية ناشئة مثله، وفي هذه الفترة كتب أولى قصائده وإن لم ينشر منها شيئًا، وخلال تلك الفترة قرأ وتأثر بأعمال الإسبان أمثال: أدولفو بيكر وجونجورا، والذي سيضيف لهما في فترات لاحقة من حياته اسم شاعر نيكاراجوا المعروف "روبن داريو"، رائد مدرسة التحديث "المودرنيزم" في الشعر المكتوب باللغة الإسبانية، حيث سيتحول إلى معجب ودارس لمسيرته الشعرية، وهذا الإعجاب سيكون متبادلًا بين القمتين الشعريتين إلى درجة الصداقة. 
في تلك الفترة - ونتيجة لهذا التشجيع - انتقل "خمينث" إلى مدينة مدريد، وتواصل مع شعراء العاصمة، وهناك نشر أول كتبه الشعرية بتأثر واضح بملامح الحركة التحديثية، وفي تلك الفترة أصيب بعوارض مرضية نفسية أجبرته على العودة لقريته "موجير"، في العام نفسه توفي والده، ما ضاعف مرضه وحزنه وإحساسه بالتوحد في هذا العالم.

* التأثر بـ "بودلير" و"مالارميه"
سافر بعدها إلى فرنسا للعلاج والنقاهة، وهناك قرأ لشعراء الحركة الرمزية الفرنسية أمثال: بودلير ومالارميه، وهو ما سيترك أثرًا واضحًا في كتبه الشعرية التي أنجزها في تلك الفترة، سافر فيما بعد إلى إيطاليا وشرع بكتابة ديوانه الثالث "قصائد" لينشره بعد عودته إلى مدريد، وقد تحوّلت الكتابة والمرض منذ هذه اللحظة إلى صفتين لصيقتين بحياة "خيمينيث"، إلى درجة أن أغلب الدراسات النقدية عنه لا بد لها من الدخول بتحليلات عميقة لأثر المرض في كتابات وحياة "خيمينيث"، وخلال تلك الفترة خضع لعلاج طبي مستمر في مصحة نفسية حتى شعر بالاستقرار الجزئي وعاد سنة 1905 إلى مسقط رأسه في قريته "موجير"، وأثناء تلك الفترة نضج فكره بشكل كبير، وعندها كتب مطولته النثرية المعروفة "بلاتيرو وأنا".
عمت سماءً قريتي "موجير" 
جبل وسهل وبحر بعيد 
أتذكرينني؟ 
أنا الراعي التائه
والمغني الغريب الذي غاب في أصقاع الشمال
ذات فجر صيفي وحيد
ها أنا ذا أفردك - من أغنيتي - بالكنز الذي اكتشفتُ
 
* "ثنوبيا".. قصة حبه الوحيد
سنة 1911 عاد "خيمينيث" مجدَّدًا إلى مدريد، واستقر في نزل للطلبة، وهو نفس النزل الذي مرّ فيه في سنوات لاحقة العديد من أهم أدباء وفناني إسبانيا في القرن العشرين، مثل: فريدريكو جارثيا لوركا، سلفادور دالي ولويس بونويل.
التقى "خوان رامون خيمينيث" بـ "ثنوبيا كامبروني"، لقاؤه بهذه الشابة المهتمة بالأدب - وهي ابنة لأم من بورتوريكو وأب إسباني - تحول إلى الأمل الوحيد في حياة خوان رامون خيمينيث، لم يكن طريق التقائهما سهلًا، فإضافة إلى الفارق العمري بينهما ومعارضة عائلة الفتاة لهذه العلاقة، لم تكن الفتاة متحمسة للزواج من رجل انعزالي وشاعر مصاب بالجنون والوهم، ولكن لقاءاتهما المتكررة، ونقاطا ثقافية مشتركة عديدة بينهما، قد أزاحت العديد من عراقيل ارتباطهما الرسمي الذي تم في عام 1916.
سافر "خيمينيث" مع خطيبته إلى الولايات المتحدة الأمريكية للزواج وتمضية شهر العسل، وقد لخّص وقائع رحلته إلى نيويورك في ديوان "يوميات شاعر حديث الزواج" عام 1917، ومثلما يدل عنوان الكتاب فقد ألّفه بما يشبه اليوميات، بمزيج بين النثر والشعر، وأدخل فيها موضوعًا سيعود إليه لاحقا شعراء من أمثال "فريدريكو جارثيا لوركا"، ألا وهو رمز العصر الصناعي الجديد، ثم واصل "خيمينيث" سيره نحو "الشعر الخالص" الذي سيكون بمثابة ابتكار وعلامة مميزة لأغلب نتاجه الشعري اللاحق، كما عليه في ديوانه "أبديات" عام 1918، ويحتوي هذا الديوان على بيت شعري شهير يلخص رؤيته ومفهومه الشعري:

* أشهر بيت شعري لـ "خوان رامون خيمينيث" 
أيها الذكاء 
امنحني الاسم الحقيقي للأشياء 
أن تخلق الكلمة نفسها - مُجدَّدًا - من روحي. 

وبعد استقرار حالته الصحية - نوعًا ما - عاد إلى الكتابة الشعرية ليصدر حتى سنة 1936 عشرات الكتب من بينها: حجارة وسماء، أشعار، جمال والمحطة الشاملة، وأثناء ذلك كان الشاعر قد دأب على جمع نتاجه الشعري في منتخبات كاملة، وهي نتاج مرحلته الإبداعية الأولى، وطبعت في 1922 بعنوان "المجموعة الشعرية الثانية". ولم يلبث أن اكتسبت هذه المجموعة أهمية فريدة من نوعها في الشعر الإسباني، فهي تُعدّ أسوة وندّاً لـ: "الرومانث الغجري" لـ "فريدريكو جارثيا لوركا"، و"عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة" لشاعر شيلي الكبير "بابلو نيرودا"، وهي إحدى الأعمال الشعرية المكتوبة باللغة الإسبانية الأكثر تأثيرا في القرن العشرين.

* المنفى بإرادته
مع نشوب الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936، فضل "خيمينيث" مصاحبة زوجته والهرب إلى الأراضي الأمريكية، بعد أن سهّل لهم "مانويل أثانيا" السفر بجوازات دبلوماسية، في البدء أقاما في نيويورك، ثم توجها إلى بورتوريكو، ليسافرا للاستقرار في كوبا لأكثر من ثلاث سنوات، وكان خيمينيث من المتحمسين للجمهورية الإسبانية، ولهذه الأسباب لم يرجع إلى بلده خلال فترة الديكتاتورية.
ويظهر موقفه السياسي جليَّاً في إعداده لكتاب متعاطف مع الجمهورية الإسبانية عنوانه "الحرب في إسبانيا"، والذي لم يتمكن من نشره، وتحدث فيه عن معتقداته السياسية المؤيدة لنظام الجمهورية، واستعرض شخصيات الأدباء الإسبانين وظروفهم، وقال صراحة رأيه في نسبة إبداع كل منهم.
وخلال هذه الفترة عمل "خيمينيث" في أكثر من جامعة، وكتب العديد من المقالات النقدية في الشعر الإسباني والأمريكي اللاتيني، والتي تم جمعها بعد وفاته وصدرت في كتابين، كما عمل كأستاذ زائر في الولايات المتحدة الأمريكية والأرجنتين حتى عودته النهائية عام 1951 إلى بورتوريكو، ليستقر فيها بسبب تردّي وضعه الصحي، في "بورتوريكو" انضمّ هو وزوجته إلى كادر التدريس في الجامعة الوطنية، حيث احتُفِي بهما بشكل لا مثيل له، حتى أن الجامعة قد أطلقت اسميهما على قاعة دراسية من قاعاتها.

* الحصول على "نوبل" 
خلال تلك الفترة - وحتى عام 1958 - اشتدت وطأة مرضه، وبدأ يمرّ بحالات مرضية عصبية متكررة، أثناء ذلك أصيبت زوجته "ثنوبيا" بالسرطان، وعلى الرغم من علاجها المتكرّر إلا أن المرض قضى عليها، لتموت بعد ثلاثة أيام من تلقّيهما خبر منح "خيمينيث" جائزة نوبل للآداب عام 1956، وهي التي عملت كل جهودها - خلال سنوات طويلة - من أجل التعريف بـ "خيمينيث" في الأوساط الأكاديمية لجائزة نوبل.
بعد رحيل زوجته، لم تستقر حالة خيمينيث المرضية، ليرحل عن العالم في 29 من شهر مايو عام 1958، ويدفن في منفاه الأخير "بورتوريكو".

خطى خوان رامون خيمينيث خطواته الفنية الأولى تحت لواء الحداثة الإسبانية، واللجوء إلى الأوزان والأنماط الملازمة للنظم الشعبي "الرومانث"، وتمثلت تجربته الحداثية في "بادرة واسعة وحرّة ومتحمّسة نحو الجمال"، على حدّ تعبيره، وقصائده الأولى تعكس هذا الهدف المبني على الشكل على حساب المضمون، وتزخر هذه القصائد الأولية بالسوداوية وحبكة لغوية لا تخلو من التصنُّع التعبيري والأناقة الهشّة، إلا أنه طرأ على إنتاجه تغيير جذري إثر صدور كتابه المنثور المكتوب بلغة شعرية "بلاتيرو وأنا"، حيث يهجر بعده التكلّف والاصطناع، ويلجأ إلى البساطة والأصالة اللغويتين.

* العقاد وعلاقة "خيمينيث" بالشعر العربي
كتب العديد من المتأسبنين العرب، وبعض النقاد الإسبان، عن علاقة خيمينيث بالشعر العربي وشعر المتصوّفة خاصة، وتعتبر دراسة محمود عباس العقاد لـ "خوان رامون خيمينيث" هي الأولى من نوعها في العالم العربي، مع منتخبات متفرقة من شعره - بالأخص من كتابه "بلاتيرو وأنا" - على الرغم من أن محاولة الأديب العقاد كانت منصبّة حول جائزة نوبل بدرجة أولى، والكتابة عن شاعر أندلسي ثانيًا، وكأنه أراد بها إرجاعه إلى زمرة الشعراء العرب حتى لو لم يكتب باللغة العربية، لكن ترجمة العقاد ودراسته لم تأتيا مكتملتين نتيجة عدم معرفته بلغة وآداب إسبانيا، إذ نقلها عن الإنجليزية.

* مؤلفاته
إصداراته الشعرية تزيد على أكثر من 40 ديوان شعري، بالإضافة إلى كتبه النقدية والنصوص النثرية الأخرى، ومن أعماله: حدائق بعيدة، مظهر الحزن، الأغنية التائهة، وبلاتيرو وأنا.