الخميس 05 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

أصبـع مرسـي.. وأمـن الوطـن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما استمعت لحديث الأصابع المتكرر للرئيس محمد مرسي، قفز إلى مخيلتي العمياء مشهدٌ صوَّر لي كيف كان يتحرك أصبع الرئيس وهو يخاطب شعبه وقادة ورؤساء وملوك العرب، على نحو لا أزعم أن لديَّ من الجرأة والتبجح ما يكفي لوصفه.
والواقع أنني حاولت طرد ذلك المشهد من شاشة عرضي الداخلية، لكني فشلت في كل المحاولات، فمنطق العقل لم يجد صورةً أكثر مطابقة لطبيعة حديث الأصابع من ذلك المشهد.
ربما يمارس خيال المرء بعض الأحيان نوعًا من الوقاحة، لكنه يبقى على أية حال أمرًا ذاتيًّا طالما لم يخرج إلى العلن؛ لكنني فوجئت على مدار الأيام الماضية بجماعة الإخوان المسلمين تُظهر -ودون خجل، وبوقاحةٍ لا تقل عن تلك التي تمارس في البيوت السرية- أطول أصابعها وهو يمتد محاولاً العبث في أمن الوطن؛ بتشويه أهم وأقوى جهاز معلومات وطني، كان له الدور الأبرز ليس فقط في حماية أمننا القومي، وإنما أيضًا في إنجاز انتصاراتنا العسكرية.
أعني بالطبع المخابرات العامة المصرية، وكلنا يعرف مكانة هذا الجهاز وهيبته واحترامه في نفوس المصريين، الذين لا يزال يحتفظ البسطاء منهم بصورة السيد/ محسن ممتاز، كرمز من رموز الأبطال المخلصين بهذا الجهاز الوطني، ناهيك عن شخصية رأفت الهجان (أو رفعت الجمال)، وجمعة الشوان (أو أحمد الهوّان)، وغيرهم كثيرون، ممن قدمت الدراما بعض ملامح بطولاتهم.
ففي توقيت متزامن تقريبًا مع ما نشر بأحد المواقع الإلكترونية بعنوان “,”ضبط شبكة آداب بميدان أسوان بالعجوزة يديرها قواد لصالح المخابرات العامة“,”، خرج أبو العلا ماضي، رئيس حزب «الوِسْط»، وهو أحد أذناب الجماعة، لينقل على لسان مرسي أن المخابرات العامة تدير جيشًا من البلطجية قوامه ثلاثمائة ألف شخص.
ولا يمكن إلا أن نربط بين الأمرين؛ فكلاهما يحاول أن يرسم صورة ذهنية جديدة لهذا الجهاز الوطني، مؤداها أنه مجرد عصابة يقودها مجرمون وقوّادون، والبداهة تقول إنه طالما تطوع أبو العلا ماضي (الإخواني المستتر) بنقل تلك الرسالة فليس من مستفيد من نتائجها سوى هذه العشيرة، التي لا شغل لها سوى تفكيك الدولة معنويًّا في نفوس المصريين، وعمليًّا على أرض الواقع، ولا أهمية هنا لأن يقول إن كلامه قد أجتزئ من سياقه، فقد خرج السهم ولا سبيل لعودته.
على أية حال أطول أصابع الإخوان، الذي يحاول التحرش بالمحروسة، كشف عن تفاصيل تحركاته تقريرٌ صحفي بموقع “,”استقلال“,”، حيث ذكر أن مكتب الإرشاد اعتمد قبل ثلاثة أسابيع خطة لتفكيك جهاز المخابرات العامة، واستبداله بآخر جديد لا تجري في أوصاله سوى الدماء الإخوانية؛ كما كشف التقرير عن قائمة بأسماء ضباط كبار أرسلها مكتب الإرشاد إلى مندوبه في قصر الاتحادية، محمد مرسي، وطلب إحالة بعضهم إلى المعاش، وتشغيل آخرين في وظائف مدنية، وإعادة ما تبقى منهم إلى القوات المسلحة وفقًا لرغبتهم، وذلك حسب ما جاء في التقرير.
لا أدعي أنني واثق من صحة ما ورد من معلومات في هذا التقرير، لكن لا تهمنا هنا دقة المعلومة بقدر ما تهمنا النتائج المرجوة من وراء تسريبها، فربما كانت جماعة الإخوان هي المصدر الأصلي لما نشر، والفائدة العائدة عليها هنا هي إظهار قدرة الجماعة على تفكيك واحد من أهم وأقوى أجهزة المخابرات في العالم، ومحاولة تصويره ككيان ضعيف هش تستطيع الجماعة هدمه في وقت قياسي، وكل ذلك يخدم الصورة الجديدة التي تريد ترسيخها في أذهان المصريين.
ومن الضرورة الدرامية لتطور حلقات مسلسل الجماعة (الهابط)، أن تلجأ إلى هذه المحاولة الرخيصة، وسريعًا؛ بعد أن فشلت مع المؤسسة العسكرية، فلربما يساعدها نجاحها في هز صورة المخابرات العامة، على أن تعود لتستكمل محاولاتها مع الجيش؛ وكل ذلك حتى تمهد الأرض لتفكيك آخر أركان الدولة المصرية الحديثة التي عرفناها مع محمد علي باشا.
ويقيني أن هذا الهدف الإخواني هو أيضًا هدف أمريكي وإسرائيلي، ويكفي أن نشير إلى تصريحات أذناب أخرى للجماعة، (كحازم أبو إسماعيل)، الذين سبق وأن هددوا بأنهم سيفعلون بالجيش المصري ما يفعل بالجيش السوري حالة إن عاد إلى الحكم وأطاح بمرسي من فوق الكرسي.
أذهب سريعًا إلى سيناء، حيث ذكر موقع فلسطيني، وهو «سما القدس»، أن مصادر بمنظمة فتح كشفت عن قيام السلطات الإسرائيلية بإصدار تصاريح لدخول قطاع غزة للفلسطينيين كتب فيها: “,”ولد في قطاع غزة وسيناء“,”، وأشار التقرير إلى وجود تفاهمات بين حماس وإسرائيل بشأن إقامة إمارة إسلامية تمتد من القطاع إلى شمال شبه الجزيرة المصرية سيناء.
لنضع إلى جانب هذه المعلومات ما تردد بشأن تورط عناصر من حماس في قتل جنودنا برفح، ونحاول على الأقل أن نطرح التساؤلات بشأن الدور المطلوب من الأنظمة الإسلامية الجديدة، التي آلت إليها ثورات الربيع العربي، لتحولها إلى خريف كئيب.
ومع ذلك، إذا كان من المتوقع أن تخرج أصابع الإخوان وأذنابهم لتعبث في أمن الوطن، فليس من المفهوم أن يحدث كل ذلك دون بيان أو موقف ممن يعتبره المصريون آخر سند لهم، وظهرهم الوحيد في مواجهة هذه الجماعة الفاشية.
فعلى الأقل كنت أنتظر أن يصدر جهاز المخابرات العامة بيانًا صحفيًّا، أو أي شكل آخر من أشكال التعبير الخاصة به؛ ليرد على تلك المحاولات للنيل من صورته وهيبته واحترامه. قد تكون له حسابات أخرى، لكن ألا يساعد طول الصمت على نجاح تلك المحاولات الرخيصة؟
الأكثر من ذلك أتوقع أن تتم تحقيقات وتحريات بشأن ما قاله أبو العلا ماضي على لسان مرسي من قيام الجهاز بتشغيل وقيادة ثلاثمائة ألف بلطجي، على أن تشمل تلك المساءلة مرسي وماضي، ثم يتم إعلان نتائجها على الملأ. الأمر ذاته بالنسبة للجيش، فإن كانت لديه أدلة قاطعة تؤكد تورط عناصر إخوانية حمساوية في قتل جنودنا برفح فعليه أن يعلنها على الفور، قبل ذلك عليه أن يأتينا بأسباب قيام إخوان غزة بتهريب الأقمشة الخاصة بزيه العسكري.
هذه هي لحظة الشفافية إذا أراد أبطالنا في الجيش والمخابرات الحفاظ على أمن الوطن وقطع أصابع العابثين به، وبدونها ستنهار هيبتهم في نفوسنا جميعًا، ولعله من المناسب أن أذكرهم كيف كان نشر أي معلومات تخص الجيش والمخابرات والأمن القومي من الخطوط الحمراء التي يحترمها الصحفيون المصريون عن قناعة، ولم يكن في حسباننا أن يأتي يوم نقرأ فيه عناوين وتصريحات أكثر رخصًا من جسد العاهرات، تمس شرف ما كنا نسميها إجلالاً “,”أجهزةً سيادية“,”.
أخيرًا لم يبق لمصر -بعد أن سقطت في كل هذا الوسخ- سوى أن يغرق هرمها الأكبر في دماء أبنائها الطيبين.