أيقظت طفلها الصغير ذو السنوات المعدودات على أصابع اليد الواحدة أو ما يزيد قليلا، لكي يلحق بصلاة الجمعة في المسجد الملاصق للبيت مع أبيه الذي أنهى إفطاره ويستعد للوضوء، وإذا بطفلها يستيقظ مبتسما من أول نداء، قائلا: حاضر يا أمي، ألبسته الطاقية الشبيكة والجلباب الأبيض الناصع وعطرته برائحة المسك الطاهر.
وإذا بطفلها يطلب منها نوعا من الطعام الذي يحبه ويشتهي أكله كل يوم جمعة عقب عودته إلى منزله، وبكل تلقائية ترد أمه: حاضر يا حبيبي، ثم لحقته على الباب طابعة "بوسة" كبيرة على وجهه وصافحة زوجها، قائلة لهما: "مع السلامة في أمان الله ترجعولي بألف سلامة" وإذا بالطفل وأبيه يلوحان بيدهما بإشارة الوداع التي لم تفهمها ولا هم يستوعباها.
دخلت الأم المطبخ لتلبي طلب ابنها، وجهزت مقادير الطعام المطلوب، وبعد تنظيف "وتأوير" وتقطيع وضبط المقادير، حان وقت الطهي على البوتاجاز، فسمعت أصوات ضرب نار وصراخ، وفي لحظة رجع شريط الذكريات بإشارة الوداع التي لوح بها الابن والزوج، متسائلة في صمت عميق هل تكون حقيقية؟
سقطت الأواني من يدها، هرولت كالحصان الجامح الشارد، ولم تشعر كيف وصلت بالرغم من أنها تعاني من خشونة متأخرة في مفاصل رجليها، لترى جثامين اصطفوا رقودا جنبا إلى جنب في جامع الروضة بمنطقة بئر العبد بالعريش، أخذت تنادي على ولدها وزوجها وعلامات الدهشة على وجهها الشحوب، وأخيرا يسدل الستار الأسود فتجد جثة ابنها.. وزوجها.. وأبيها .. وأخيها.. وجارها.. وزوج صديقتها.. وابن عمها.. وصغير ابن خالتها.. وزميل ابنها في المدرسة.. و.و.و.و
وراحت وسط حزنها تسمع أقاويل وشهادات ما أنزل الله بها من سلطان من الشهود الأحياء –اللي مكتوب لهم عمر جديد- أن قتلة ملثمون بالسواد یحملون بنادقهم ویكبرون باسم الله الواحد الأحد، أجهزوا عليهم قتلا بالرصاص.
لن أُنَصّب نفسى خبيرا عسكريا وأمنيا، ولن أخرج عليكم كمحللي "البول" على الفضائيات أو محللي "البراز" على الفيس وتويتر، لأقول أن الإرهاب بدأ يغير تكتيكاته ويستهدف المدنيين من المسلمين، وما دور الإعلام؟ وأين الأجهزة الأمنية؟ بل سأتكلم عن الإنسان الذي "مات" والحيوان الذي "قتل"، سأتحدث عن ناس "مصلتش الجمعة راحوا قتلوا ناس كانوا بيصلوا الجمعة" مع إيماني أنه كلما تلقت التنظيمات الإرهابية هزائم، تسعى لتنفيذ عمليات لها صدى إعلامي، واسألوا من عاصروا موجات الإرهاب في التسعينيات.
يا الله.. هو الحادث الأكثر دموية بلا شك لعدد الضحايا تجاوز الــ300 شهيد والـ130 مصابا، ماتوا وهم رُكّع سُجُود بين يدي الرحمن، وما زال الإرهابيين القتلة الأنجاس يدّعون زورا وباطلا أنهم يحملون لواء الإسلام ويتحدثون باسم الله ويتحركون باسم دينه.
ما أبشع هذا الرب الذي يأمر بقتل الناس، ما أرزل هذا الرب الذي يرخص لهؤلاء الكره والحقد والاستمتاع بمشاهدة الدماء والرءوس المنفجرة بفعل طلقات الرصاص والعبوات الناسفة.. أي رب هذا! وأي دین یبیح كل هذا ویبرره! ما اسم هذا الرب وأین یسكن؟ دین أبوكم اسمه إيه؟ مين إلهكم؟ مين رسوله؟ فين كتابه؟ فين ملائكته؟
هو بالتأكيد دين ربه "الشيطان".. ورسوله "إبليس".. وكتابه "الدم والقتل" إنه بلا شك دين جديد يدعو للتناحر والقتل، يدعو للكراهية ويحض على الرذائل، فإلاسلام أخلاق، والمسيحية محبة، واليهودية سلام.
نحن في ديننا قوله تعالي: "مَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم"، فماذا يقول دينكم؟
لا شيء أصعب من فقدان عزيز لنا، ولا توجد كلمات تعبر عما في داخلنا، ولا يسعنا سوى أن نرضى بقضاء الله وقدره ، فالموت علينا حق لا مفر منه، لله الأمر من قبل ومن وبعد، اللهم ارحم أمواتنا وأموات المسلمين أجمعين.
اصمدوا يا مصريين وتماسكوا.. فسلامة الجبهة الداخلية والثقة في القيادة هي طريق النصر.