ما لقيت أحدا علي السوشيال ميديا إلا وكان سؤاله الأول هو: لماذا قالت شيرين عبد الوهاب ذلك ؟ ذلك أن رد فعلها على واحدة من معجباتها في الحفل، طلبت منها غناء "مشربتش من نيلها"، كان "هيجيلك بلهارسيا، اشربى إيفيان أحسن"، وهى مياه معدنية فرنسية، قد صدم الأغلبية فَصَبّوا عليها كل ما فى قاموس اللغة من لعنات، وصلت إلي حد رفع قضايا ضدها ، ومطالبات بسحب الجنسية المصرية عنها ، ولا مانع من معايرتها بماضيها ونشأتها الفقيرة وبدايتها في عالم الفن .
فأجواء الغضب أفقدت الكثيرين توازنهم من منطلق أن نهر النيل من معالم وحضارة مصر وله في نفوس المصريين الكثير والكثير ، بحيث تعالت أصواتهم لاستئصال شيرين من الغناء ، وروجت لذلك منابر إعلامية مقروءة ومرئية، وهو ما استجابت له نقابة الموسيقيين، دون النظر إلى تحقيق أو تحرٍ، بشأن متي قالت ذلك ؟ وأين ؟ ولماذا ؟ وهل كانت متعمدة أم بعفويتها المعتادة ؟ وما تأثير ذلك علي سمعة النهر العظيم ؟ وهل كان لكلامها أي تأثير على السياحة المصرية أم لا؟ وربما سؤال استنكاري استهبالي: هل نشطت البلهارسيا في مياه النيل بعدما كانت خاملة عندما ذاع صيتها في الميكروفونات والمسارح ووسائل الاعلام؟
فموجهو سهام الانتقادات لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن فيديوهات هذا الحفل عبر اليوتيوب، وربما إذا كانوا فعلوا ذلك لاكتشفوا المفاجأة، أن الحفل مر عليه أكثر من 10 شهور ، وأن شيرين قامت بالفعل بغناء «ماشربتش من نيلها»، استجابة لطلب المعجبة، وتفاعل معها جمهور الحفل ، وأن السياحة لم تتأثر ! وأن سمعة النهر الخالد زي الألماظ !وأن المنظمات ومراكز الأبحاث المحلية أو الدولية لم تطلق صيحات الإنذار من شرب المياه! ولم نرصد أي تحركات جديدة في نسبة الإصابة بالبلهارسيا بسبب الشرب من مياه النيل .
وهنا يتبادر إلي ذهنك من أخرج هذا المشهد من مكمنه في ذلك الوقت بالذات ! لينجح في خطابه الشيطاني بحسم المسألة من البداية، وحصر الشر علي السياحة وسمعة النيل فى محيط دائرة المطربة ، رغم أن الواقعة مرت مرورا كريما دون أدني تأثير علي سمعة النيل أو السياحة المصرية.!
الأسئلة مشروعة والغضب علي نهر النيل أكثر مشروعية ، فهو جزء من تاريخنا ومظهر لتفاخرنا ، لكن حالة الهوس والهلع التي انتابت المجتمع ، لدرجة أن وزارة الصحة تصدر بيانا وتصريحات بشأن مدى انتشار البلهارسيا في مصر ، جعلتني أتصور أن بلهارسيا شيرين أخطر على نهر النيل من سد النهضة والتعديات عليه ! وأن شيرين أخطر علي السياحة المصرية من الإرهاب.!
أنا هنا لا أدافع عن شيرين ، فقد أخطأت ! حتى إن برّرت ذلك من باب الطرفة لإضحاك جمهورها ، فهي خفة ظل غير مقبولة منها ، فعفويتها تخرجها من نقرة إلي دحديرة، ومن العفوية إلي ما قتل، والإفيه والقفشة ليست في محلها ، ولكن ليس من المقبول أن يكون العقاب إبعادها عن الساحة الفنية ، وتصيد زلات لسانها لإغتيالها مهنيا وغنائيا ، والضرب في وطنيتها ، لكن من الممكن أن ننصحها بضبط ردود أفعالها ، ونطالبها أن تتدارك مستقبلا مثل هذه الأخطاء الساذجة التي تضعها علي مشانق المجتمع ، فالنجومية لها مسئولية أبسطها ضبط اللسان ، وأعظمها أجرا الترويج بإيجابية وحماسة للوطن.
وفي المقابل رد فعل مؤسسات الدولة والنقابات والإعلام والمجتمع علي" بلهارسيا شيرين " فاق التصور والخيال ، فعملوا من" الحبة قبة "، وتناسوا أن مياة النيل ملوثة بالصرف الصناعي والزراعي والصحي ، و ملوث بالإغتسال فيه وغسل الأوانى والخضروات وتنظيف الدواجن والماشية ويلقي فيه ما ينفق منها ، وأن هناك من العشوائيات والتعديات علي جزر النيل .
كما أن النهر متاح فيه إلقاء الفضلات والقمامة وجثث الحيوانات النافقة ومخلفات المنازل وإطارات الكاوتش في النيل، وأن هناك تلوث نتيجة الإشعاعات و النفايات الذرية ، وإلقاء المواد المصابة بالإشعاع وعوادم السيارات وتلوث الأتربة ، واستخدام السموم والمتفجرات والصعق الكهربائى لصيد الأسماك، وأن هناك عمليات صرف صناعى غير منضبطة تؤثر على كفاءة محطات مياه الشرب، وأن أكثر من300 باخرة تحمل آلافا من الركاب تلقى بمخلفاتها في النيل.
في الحقيقة النيل يواجة مشكلات وتحديات تفوق تصريحات شيرين ويحتاج إلى عمل معالجات وإجراءات بيئية صارمة لم تجر بالشكل المطلوب حتى الآن .
أتمنى أن أكون قد وازنت بين النيل وبنته .. فكلاكما غاليان.