يتابع «جون فان أودينارن» رئيس القسم الأوروبى بمكتبة الكونجرس، فى دراسته عن المملكة المتحدة: ورطات قديمة وحقائق جديدة، فى كتاب «هل ما زلت أوروبا مهمة؟»، بقوله: لم تتمكن بريطانيا من تأمين مكانها فى أوروبا قبل يناير ١٩٧٣، فحكومة العمال برئاسة هارولد ويلسون، والتى كانت فى السلطة من ١٩٦٤ إلى ١٩٧٠، كانت تصارع انخفاض قيمة الجنيه الأسترلينى والانهيار الاقتصادى خارج أوروبا التى كانت من بقايا الحقبة الإمبراطورية.
استقال «ديجول» فى ١٩٦٩، وأصبحت فرنسا مهتمة بموازنة قوة ألمانيا الغربية الصاعدة فى الاتحاد الأوروبى بجلب بريطانيا إليه.
مرت علاقات بريطانيا بالمجموعة الأوروبية - وبالاتحاد الأوروبى فيما بعد - بطريق وعرة، وعند عودته إلى السلطة فى ١٩٧٤، سعى «ويلسون» إلى إعادة التفاوض حول شروط انضمام بريطانيا ودعا إلى استفتاء حول استمرار عضويتها فى الاتحاد. تم التصويت فى يونيو ١٩٧٥، وكانت النتيجة موافقة ٦٧.٣٪ على البقاء ضمن الاتحاد مقابل ٣٢.٨٪ للمعرضين، إلا أن بريطانيا التى أظهرت أنه لم يكن لديها النية فى ترك المنظمة، لم تكن متحمسة بالمرة لتلك المحاولات التى ستقودها على مدى العقدين التاليين التحالفات الفرنسية الألمانية الثنائية بين «فاليرى جيسكار» و«هيلموت شميث»، ثم «فرانسوا ميتران» و«هيلموت كول»، للدفع بالاتحاد نحو أشكال جديدة من الوحدة الاقتصادية والسياسية.
حولت «مارجريت تاتشر» وباعتبارها محافظة من الناحية المالية، عنفت «تاتشر» القادة الأوروبيين بسبب حجم مساهمة بريطانيا فى ميزانية المجموعة، ما أدى إلى إصابة أعمالها بالشلل، إلى أن تمكنت فى دور انعقاد المجلس الأوروبى فى عام ١٩٨٤ من إقرار خفض دائم لإسهام بريطانيا فى الميزانية.
لم تكن «تاتشر» متحمسة لجهود رئيس المفوضية الأوروبية «جاك ديلورز– Jacques Delors، وكول– Kohl» و«ميتران Mitterrand» لإعادة إطلاق المجموعة الأوروبية فى الثمانينيات، واستشاطت غضبا بسبب عمليات المخاتلة والمناورة فى دور انعقاد المجلس الأوروبى فى يونيو ١٩٨٥، إلا أن بريطانيا، بعد أن وجدت نفسها ضمن المشاركين، لعبت دورا إيجابيا فى المهمة الرئيسية للمؤتمر: وهى التفاوض بخصوص معاهدة تنطوى على التزام بإكمال السوق الأوروبية الموحدة بحلول الموعد المحدد وهو ١٩٩٢، وذلك من خلال إزالة المعوقات المتبقية أمام حرية انتقال السلع والخدمات ورأس المال والأفراد. كان مثل هذا التكامل السلبى متسقا مع أيديولوجية «تاتشر» الخاصة بالسوق الحرة ويعد بأن يكون مفيدا من الناحية الاقتصادية فى بريطانيا، التى كان اقتصادها– بالفعل – أكثر انفتاحا من الاقتصاديات الأخرى فى القارة، وفى وضع يمكنه من الإفادة من تحرير خدمات مثل البنوك والتمويل والاستشارات، وهى الأنشطة التى كانت بريطانيا متفوقة فيها نسبيا.
كانت «تاتشر» أقل حماسة بالنسبة لمقترحات «التكامل الإيجابى» القوى، وبخاصة فكرة «ديلورز» والمفوضية والأوروبية. وهى أن استكمال السوق الموحدة كان فى حاجة إلى الخطوة المنطقية التالية، وهى الوحدة الاقتصادية والمالية الكاملة وتبنى عملة أوروبية موحدة؛ وفى كلمتها فى الكلية الأوروبية فى بلجيكا عام ١٩٨٨، رفضت «تاتشر» ما كانت تراه بمثابة مخططات لإقامة دولة أوروبية فوقية، يمكن أن تلغى أو تبطل هويات الدول الأعضاء، إن أول مبدأ استرشد به هو أن التعاون الإدارى النشط بين دول مستقلة ذات سيادة، هو السبيل الوحيد لبناء مجموعة أوروبية ناجحة. إن محاولة كبح الصبغة الوطنية وتركيز السلطة فى تكتل أوروبى، من شأنه أن يلحق الضرر بالأهداف التى نسعى لتحقيقها ويعرضها للخطر. إن أوروبا ستكون قوية، تحديدا لأن فرنسا موجودة بها كفرنسا، وإسبانيا كإسبانيا، وبريطانيا كبريطانيا، لكل منها عاداتها وتقاليدها وهويتها، كما أن محاولة صبها كلها فى قالب واحد ودمجها فى شخصية أوروبية واحدة، سيكون ضربا من الحماقة.