يتابع البروفيسر رونالد تيرسكى أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمهرست الأمريكية، النقاش حول العلاقات الاستراتيجية بين روسيا والاتحاد الأوروبى بقوله: من خمسينيات القرن الماضى كان على روسيا فى هيئة الإمبراطورية السوفيتية، أن تتعامل مع عاملين جيوسياسيين: الأول، هو الاندماج مع أوروبا الذى يعنى الانضمام الطوعى لدول أوروبا الغربية، وهو ما أدى فى آخر الأمر إلى ما يعرف اليوم بـ«الاتحاد الأوروبى» والثانى هو منظمة حلف شمال الأطلنطى (NATO). ذلك التحالف الذى أنشئ فى ١٩٤٩، وكان فى الأساس ضمانا أمنيا عسكريا أمريكيا لأوروبا الغربية ضد الخطر السوفييتى، بعد سقوط الاتحاد السوفييتى.
انضمت دول الكتلة الشيوعية السوفييتية السابقة، فى أوروبا الوسطى والشرقية إلى كل من الــ(NATO) والاتحاد الأوروبى، وهو ما يعنى اتساع المنظمين (الحلف والاتحاد) حتى حدود روسيا نفسها، وبعد تهديدها للغرب على مدى عقود أصبحت روسيا نفسها مهددة، أو ترى نفسها كذلك على الأقل هذا التحول الجيوسياسى، أسفر عن التوتر الذى يميز العلاقات الأوروبية – الروسية اليوم.
تاريخيا، أن يشعر قادة روسيا اليوم، بأن تجربة الدولة الحديثة تمثل هزيمة ذات مكونات تاريخية، وأنه لا بد من محاولة تصحيح ذلك. يقول الزعيم الروسى «فلاديمير بوتين»: إن سقوط الاتحاد السوفييتى كان أكبر كارثة جيوسياسية فى القرن العشرين والمقصود بذلك وزن وحجم الحدث أكثر مما هو الحنين لسياسات ومجتمع الشمولية الستالينية. العلاقة الأوروبية – الروسية اليوم، تكتفها مشاعر الخوف والاستياء، وعلى الرغم من أنها يمكن أن تكون إيجابية فى بعض الجوانب، يظل هناك قدر من عدم الثقة، حتى عندما تعنى المصالح المشتركة أن يفيد كلا الطرفين من مبادرات بعينها، أوروبا وروسيا محكومتان بالجغرافيا والتاريخ، وبالطبيعة المختلفة لأنظمتها المحلية، لتكون بينهما علاقة هى مزيج من التعاون الحذر والضغينة المستترة. لا تستطيع روسيا وأوروبا أن تكونا حليفتين مطمئنتين لبعضهما وفى الوقت نفسه لا مصلحة لكلتيتهما فى أن تكونا عدوتين لدودتين.
الصراعات بين أوروبا وروسيا لا تنطوى على صدام بين مصالح بعينها فحسب، إذ إنها تعكس كذلك تصورات مختلفة تماما للأسس التى ينبغى أن تقوم عليها العلاقة بين الاتحاد الأوروبى وروسيا. أوروبا ترى نفسها النموذج الرائد والمثال الذى يجب أن يحتذى فى العلاقات الدولية، التى تدار بناء على قواعد ومعايير متعددة الجوانب، ومؤسسات دائمة، والتزام بحكم القانون، كما ترى أن مهمتها الأساسية بالنسبة لروسيا هى أن تجرها إلى نظام يقوم على القانون، باعتباره مفيدا لروسيا نفسها: إلا أن الاتحاد الأوروبى سيكون له النفوذ الأكبر بداخله، فى الوقت نفسه، تزعم النخب الروسية أنهما مع القانون والمؤسسات بكل قوة، إلا أنهما لا تقبل القواعد والمعايير العامة التى ربما يكون من شأنها الإضرار بمصالح روسيا، والتى لا يكون لهما سوى دور ضئيل فى صياغتها. هذه القواعد والمعايير، فى حال اتباعها، قد تضع روسيا فى مرتبة اقتصادية وسياسية دولية متدنية لا يمكن أن تصعد منها إلا بشق الأنفس وببطء شديد، هذا إن كان له أن يحدث أصلا، روسيا لا تريد أن يكون لها صلة بهذا السيناريو.
محاولة موسكو استعادة ثقة روسيا القومية بنفسها، وتأكيد سياساتها الخارجية فى السنوات القليلة الماضية تحت رئاسة «بوتين» منذ انتخابه فى ٢٠٠٨ وتحت رئاسة «ديمترى ميدفيد» هذه المحاولة عازمة على إعادة تأكيد فكرة أن روسيا قوة عظمى. روسيا ينبغى ألا يتم التعامل معها باعتبارها قوة عظمى منهارة أو كمجرد دولة تقع إلى الشرق من أوروبا، بل ينبغى التعامل معها «كشريك استراتيجى» الاتحاد الأوروبى يقف إلى جواره ضمانا لبناء نظام عالمى جديد يقوم على مبدأ تعددية الأقطاب، نظام عالمى لا يمكن أن تكون الولايات المتحدة قوة مهيمنة عليه.