ما الذى يحدث داخل الاتحاد الأوروبى؟ بريطانيا تسعى بكل قوة نحو الخروج من الاتحاد الأوروبى، دعوات انفصالية لإقليم كاتالونيا عن إسبانيا، ليمتد الأمر ويصل إلى منطقتى لومبارديا وفينيتو الإيطاليتين تجريان استفتاء للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتى. تلك الوقائع تكشف عن أهمية الأسئلة التى طرحها البروفيسور رونالد تيرسكى، فى كتاب السياسات الخارجية الأوروبية: هل ما زالت مهمة؟ والذى نقلة إلى العربية المترجم الرائع طلعت الشايب والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة بالقاهرة.
هل يستطيع الاتحاد الأوروبى أن يحل تناقضاته الداخلية أم تراه مرشحًا للانفجار من الداخل؟ وكيف يعمل الاتحاد الأوروبى فى عالم اليوم؟، فمن خلال خلفية تاريخية شارحة، ومنظور جيوبولوليتيكى واسع للسياسات الخارجية الأوروبية المعاصرة، يلقى علماء السياسة والعلوم الاجتماعية الضوء على علاقات القارة – القديمة والجديدة – بالقوى العالمية الرئيسية الأخرى.
من جوانب عدة، من الصعب الفصل بين العالمين الجيوسياسى والجيواقتصادى، فالاقتصاد القومى القوى كان دائمًا أساس سياسة خارجية قوية فاعلة، أى أن الجيواقتصاد ضرورة لنجاح أى دولة كبيرة نجاحًا شاملا.
إبان الحرب الباردة التى تلت الحرب العالمية الثانية، كانت المنافسة والخصومة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى هى ما يشكل خطوط الصدع الرئيسية فى العلاقات الدولية، كلاهما كان قوة عظمى ذات نفوذ كونى.
خاضت الولايات المتحدة فى الحرب العالمية الثانية معارك بحرية وجوية متفرقة فى أرجاء الكوكب ضد كل من اليابان وألمانيا النازية، وفى العقود التالية كانت متورطة – بمعنى الكلمة – فى حروب مختلفة فى أنحاء العالم من نصف الكرة الغربى إلى النصف الشرقى، ومن شمال العالم إلى جنوبه. بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، وفى عام ١٩٩٢ تشكل الاتحاد الأوروبى من خلال معاهد ماسترخت، واستوعب الاتحاد الأوروبى دول الكتلة السوفيتية السابقة، موحدا القارة الأوروبية الجغرافية.
كان تكامل الدول الأوروبية أمرا معقولا لأربعة أسباب، أولا: كان التعافى الاقتصادى والرخاء مطلبين ضروريين، مجموعة الفحم والصلب التى جاءت على إثر مشروع مارشال دشنت ثلاثين سنة – دون توقف – من النمو الاقتصادى فى أوروبا الغربية.
ثانيًا: ألمانيا الغربية الجديدة، التى من البداية لم تكن تحظى بالثقة لأنها كانت مع ألمانيا الشرقية الرايخ الثالث، قد رست أخيرًا بثبات ضمن أوروبا الغربية الديمقراطية، وكان نظامها الديمقراطى الجديد ضمانًا ضد القوى المتطرفة. ثالثا كان تكامل أوروبا الغربية والحماية العسكرية الأمريكية رادعًا للاتحاد السوفيتى عن سياسة التوسع، رابعًا قوى تطور السوق الاقتصادية الداخلية للاتحاد الأوروبى فى التسعينيات تنافسية أوروبا الاقتصادية والمالية فى عصر العولمة.
ومثلما كان الأمر تمامًا إبان الحرب الباردة، فإن مشكلة أوروبا الأمنية الأبرز اليوم هى روسيا. أحد أسباب استمرارية مشكلة روسيا بالنسبة لأوروبا هو أنها النتيجة المفارقة لنجاح اتساع رقعة الاتحاد الأوروبى، ما جعل حدوده الشرقية تتماس مع الحدود الغربية لروسيا مباشرة، ومن وجهة نظر موسكو فإن العازل الأمنى لروسيا أيام الحرب الباردة لم يختف فحسب. ولكن دول الكتلة السوفيتية السابقة عدائية بطبيعتها وغير مطمئنة لنوايا موسكو الجيوسياسية، فى الوقت نفسه الذى تتمحور فيه سياسات روسيا الداخلية حول هدف إعادة صنع الدولة لتكون قوة عظمى.. وللحديث بقية.