يتابع غازى وليد، فلاح فى كتاب «الحرب والسلام من معسكرات الموت إلى الحراك الدبلوماسى» لمسألة السلام والخدعة لحالة إسرائيل، بقوله ويبدو لى أنه على الرغم من قيام إسرائيل بتبنى صيغة «الأرض مقابل السلام» ظاهريا باعتبارها رمزا جيوسياسيا فى الوقت الذى شرعت فيه فى إجراء محادثات سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٩٣، كانت تصرفات إسرائيل على أرض الواقع منذ ذلك الحين فى تناقض صارخ مع هذا الشعار، فقد بدأت سياسة مكانية للاستيلاء على مزيد من أراضى الفلسطينيين وزيادة أعداد المستوطنين فى الضفة الغربية بأكثر من ١٠٠٪ خلال العقد الماضى، فى نفس الوقت الذى تفتت فيه الفضاء الفلسطينى إلى رقع ممزقة من الأراضى، وهى سياسة هدفها الأساسى منع إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة فى نهاية المطاف بمجرد أن يتم الوصول إلى مرحلة التفاوض على الحل النهائى، ويتم التركيز هنا على تغيير «قابلة للحياة»، كما أزعم أيضا أن الحكومات الإسرائيلية الخمس المتعاقبة منذ عام ١٩٩٣، والتى ترأسها «رابين، وشيمون بيريز، وبنيامين نتنياهو، وإيهود باراك، وإرييل شارون» لم تحدث قطيعة حقيقية مع المبدأ الأيديولوجى الجيوسياسى الصهيونى الذى دام لأكثر من ١٠٠ عام، والذى يدعو إلى خلاص أرض فلسطين المنتدبة بأكملها، أما الخلاص فهو مفهوم مثقل بإيحاءات لاهوتية متعلقة بالإيمان بالعصر الألفى السعيد، وهو يمثل فى الواقع شكلًا فريدًا ومميزًا من التحريرية الوحدوية.
ولم تنظر هذه الحكومات إلى محادثات السلام مع الفلسطينيين باعتبارها غاية بل وسيلة، أى أداة من أدوات الخطاب التى تهدف إلى زيادة وتعزيز الهيمنة الإسرائيلية المكانية على الفضاء الفلسطينى، وإلى تحقيق الهدف الأصلى من الأجندة الصهيونية: خلاص أرض إسرائيل عبر انتزاعها من قبضة ساكنيها «الغرباء».
ومما لا شك فيه أن هناك تصريحات حتى على مستوى بعض القادة الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء، شارون، بشأن استعدادهم لقبول إقامة دولة فلسطينية.
ويبين تحليل سياسة الخداع عدم إمكانية أخذ هذه التصريحات على علتها: فالأمر الحاسم هنا هو ما تعنيه كلمة «دولة»، هل سيكون لهذا الكيان حرية التصرف، مثله مثل أى دولة أخرى فى العالم فيما يتعلق بقضايا السيادة والسيطرة الإقليمية على أراضيه، فلنأخذ بعين الاعتبار إحدى الرؤى المتعلقة بقيام الدولة الفلسطينية التى طرحها شارون بعد انتخابه فى الكنيست فى ٢٨ يناير ٢٠٠٣، وهى عبارة عن تصريح كان المراد منه أن يكون واحدا من أكثر من ١٠٠ تعديل على خارطة الطريق من أجل السلام، والمدعومة أمريكيا، والتى تؤكد أن: «فلسطين ستكون منزوعة السلاح تماما، وسيسمح لها فقط بالاحتفاظ بقوات الشرطة والأمن الداخلى، ذات التسليح الخفيف وتسيطر إسرائيل على كل من المداخل والمخارج والمجال الجوى للدولة، وسيٌمنع الفلسطينيون تماما من عقد تحالفات مع أعداء إسرائيل».
فى هذا المنعطف الحرج، تعتبر اتفاقيات أوسلو ميتة على كل الأصعدة العملية، بعدما أبطلتها الأحداث، وهذا صحيح بالنسبة للجانب الإسرائيلى على الأقل بعد إعلان شارون المتكرر بأنه لم يعد ملتزما بالاتفاقيات، وبعد أوامره للدبابات والجنود الإسرائيليين بغزو مناطق الحكم الذاتى الفلسطينى وتدمير البيوت واغتيال الأسر. كان شعار هذا الهجوم على منطقة المنازل هو حصار مقر عرفات فى رام الله، ذلك الهجوم الذى توغل حتى غرفة نومه. لقد تم فرض احتلال عسكرى على أرض الواقع.