لا نستطيع أن نغفل الدور الذي يقوم به الإعلام في هذا المجال باعتباره من المصادر الرئيسية في عالم اليوم، لنشر الصور النمطية الجامدة وترسيخها عن الجماعات الأخرى وعن الجماعة نفسها، وما تتعرض له من تحديات قد يقوم الإعلام بتضخيمها أو الإقلال من شأنها.
إن المعلومات تؤدي دورًا مهمًا في تشكيل الأفكار النمطية التي يتمسك بها أفراد جماعة، وتؤثر، من ثمّ، في شكل العلاقة بين هذه الجماعة والجماعات الخارجية، ولقد تزايد اهتمام الباحثين في السنوات الأخيرة لاعتبار المعلومات المتاحة عن الدولة المدركة، بمنزلة المحدِّد الرئيسي للأفكار النمطية عن هذه الدولة، مما يشير إلى الدور المهم للمعلومات في تكوين أو تغير الأفكار النمطية القومية، والتأثير في شكل الصراع بين الجماعات.
وتتضاعف خطورة الإعلام بالنسبة إلى موضوع الانتماء العربي إذا ما وضعنا في الاعتبار أن وسائل الإعلام الغربية تؤدي دورًا مهمًا في تشكيل صورة العرب والمسلمين لدى الشعوب من جانب، ولدى النخبة السياسية وصناع القرار في الدول العربية من جانب آخر، وتكفي الإشارة - على سبيل المثال لا الحصر - إلى أن المعلومات التي كانت تصل إلى العرب وإلى جميع أنحاء العالم أثناء أزمة وحرب الخليج الثانية (1990-1991) كانت حكرًا على "محطة CNN الأمريكية التي احتكرت الإعلام عن الحرب أربعًا وعشرين ساعة في اليوم"، فإذا أضفنا إلى ذلك سيطرة اللوبي الصهيوني على قطاع كبير من وسائل الإعلام الغربية عامة، والأمريكية خاصة، لأدركنا خطورة توظيف وسائل الإعلام الغربية في تشكيل صورتنا عن أنفسنا وعن الآخرين.
ولقد توصلت دراسة، أجراها رضا هلال، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم "في نحو 80 بالمئة من الصور المبثوثة في العالم، وهو ما يمكنها من التحكم في الأخبار والمعلومات المتداولة؛ فالمؤسسة الصحفية الأولى في العالم هي الأسوشيتد برس الأمريكية التي تزود بالأنباء والصور ما يناهز 1600 صحيفة يومية، و5900 محطة للراديو والتليفزيون في مختلف أنحاء العالم".
ويشير تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 بعنوان نحو إقامة مجتمع المعرفة إلى أنه "رغم انتشار الفضائيات، فإن نسبة وسائل الإعلام لعدد السكان هي الدنيا في العالم العربي قياسًا بالمستوى العالمي، كما أن أكثر من 70% من قنوات التلفاز العربية - وعددها نحو 1200 قناة - تخضع لإشراف الدولة التي تملك أيضًا وكالات الأنباء".
وأوضح أنه "نتيجة لذلك، فإن أكثرية نشرات الأخبار والمواد الإعلامية المذاعة هي نشرات رسمية وسلطوية الطابع وهزيلة المضمون، وتكاد تقتصر على الأنباء الرسمية وأنشطة كبار رجال السياسة، وقلما تحمل معلومات أو أخبارًا تغذي المعرفة النافعة للناس، أو تهم أغلبيتهم أو تعنى بشئونهم، وهو أمر لا يساعد على توسيع مداركهم ووعيهم أو تكوين وجهة نظر حيال الأحداث الجارية، سواء كانت قضايا وطنية أو إقليمية أو دولية"، ويشير التقرير أيضًا إلى أن "أغلبية المنظومات البشرية في الأقطار العربية تميل إلى امتلاك نماذج معرفية مشتركة تهدف إلى حماية الأوضاع الراهنة في البلاد، وتكريسها في المجتمعات على صورة مؤسسات وحوافز مجتمعية محافظة، بما يقعد أفرادها عن تحدي الأوضاع القائمة ويقلل من فرص التعلم، ومن ثم تعمل على إدامة الوضع الراهن، وبهذا تلعب السلطة السياسية دورًا جوهريًا في توحيد المعرفة، وتعمل على تدعيم النمط المعرفي الذي ينسجم مع توجهاتها وأهدافها".