السبت 09 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"المراجعات".. خدعة "الجماعة"

قيادات جماعة الإخوان
قيادات جماعة الإخوان فى السجون- صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتب - رحمة محمود ومحمد رجب سلامة ووليد منصور وآية عز
فى كل مرة يضيق فيها الخناق على جماعات الإسلام السياسى تلجأ إلى ما تسميه «مراجعات فكرية»؛ أحيانًا للهروب من خيار الحبس.. وفى أغلب الأحيان لتيقنهم من فشل مشروعها الفكري. حدث ذلك مع جماعات إسلامية فى مصر وتكرر مع نظيراتها العربية، إلا أن أغلبهن وصلن لنفس الخيار «الزعم بمراجعات فكرية والارتداد عنها فى نهاية المطاف».
ينطبق ذلك على ما يجريه قطاع من شباب جماعة الإخوان فى هذا الأوان، إذ طرحوا خيار المراجعات قبل عامين لكنه لم يفض إلى شىء ملموس ليثبت احتمالية صعوبة خيار المراجعات.

الإخوان تحاول الإفلات من الأزمات
التنظيم الإرهابى يراجع أفكاره على الورق
خلال الشهور القليلة الماضية أعلن المكتب العام لجماعة الإخوان الإرهابية بمصر، أو ما يُعرف بالقيادة الشبابية أو تيار التغيير، عن نية الجماعة فى إجراء مراجعات فكرية شاملة، بحيث تضمن تلك المراجعات تقييما عاما لأداء الجماعة وقيادتها خلال السنوات الست الماضية، وتكون تلك المراجعات مبنية على أربعة محاور هى: «تقييمات ما قبل الرؤية» و«المحور الثاني: غياب علاقة الإخوان بالثورة»، والثالث «العلاقة بين الإخوان والدولة»، والرابع «علاقة الجماعة بذراعها السياسية».
محاولة للم الشمل
رغم أن أغلب الجماعات الإسلامية على مستوى العالم العربى خلال الثلاث سنوات الماضية، أجرت مراجعات فكرية لبعض القضايا والأخطاء، مثل ممارسة العنف المفرط، إلا أنه ولطبيعة وضع جماعة الإخوان التى لا ترغب فى الاعتراف بأخطائها، ولا ترغب فى تغيير أفكارها المتطرفة، تصاعدت أزمة بين شباب الجماعة وبين كوادرها الذين تصدوا بقوة لتلك المراجعات، وسبب ذلك الاختلاف أصبح حديث الجماعة عن المراجعات الفكرية مجرد أمر لمغازلة الدول فقط لا غير، أبرز دليل على ذلك أن نتيجة تلك المراجعات صفر، خاصة أن الجماعة لم تتطرق من قريب ولا من بعيد عن الحديث عن العنف الذى ارتكبته طوال الأعوام السابقة، الأمر الذى يؤكد استمرارها فى نهج العمليات الإرهابية، مثل الحرق والتخريب وقتل ضباط الشرطة والشخصيات العامة.
مشكلات داخلية
كانت جبهة محمد كمال، المسئول الأول عن جناح التسليح فى الجماعة، وتوفى فى تبادل لإطلاق نار مع الشرطة، هى أول من قامت بإصدار تلك المراجعات الفكرية، ولم تتحدث تلك المراجعات بأى شكل من الأشكال عن علاقتها بإحداث أى تغيير فى سلوكها أو حتى علاقتها مع الدولة، بل ركزت فقط على المشكلات الداخلية للجماعة. وهو ما أكده منتصر، المتحدث الإعلامى باسم جبهة «محمد كمال»، حيث قال على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»: «إن الهدف الرئيسى من وراء هذه المراجعات يتمثل فى محاولة الوصول إلى بناء متماسك قادر على جمع الصف». وأضاف: «أن المراجعات المقدمة ليست جلدًا للذات كما يتصور البعض قدر ما هى إرادة بناء، والهدف منها تذكيتها لروح الخلاف داخل الجماعة». وأكد: «أنها بداية جديدة للإخوان فى محاولة لمراجعة الذات».
جماعة غير معترف بها
وفى المقابل لم تعترف جماعة الإخوان، التى يتزعمها جناح محمود عزت، القائم بأعمال المرشد، بتلك والمراجعات التى جرت، واعتبرتها صادرة عن مجموعة غير معترف بها رسميًا داخل مكتب الإرشاد، ونفى محمود عزت فى بيان له أن تكون أى من مؤسسات الجماعة أصدرت أى أوراق فى شأن مراجعات. وفى ذات السياق، أكد عباس قبارى، المتحدث الإعلامى بالجبهة الشبابية لجماعة الإخوان، أن تلك التقييمات لم تتطرق لقضية العنف، وفى المقابل لم تعترف جماعة الإخوان الأم، التى يتزعمها جناح محمود عزت القائم بأعمال المرشد وإبراهيم منير، بتلك التقييمات والمراجعات، معتبرًا تلك المراجعات صادرة عن مجموعة غير معترف بها رسميًا داخل مكتب الإرشاد.

انتهاء التنظيم.. وبقاء الفكرة
فشل المشروع الجهادى فى إسقاط النظام سبب الاستسلام
رغم أن الجماعة الإسلامية كانت أول من أطلق ما يسمى بـ«المراجعات الفكرية» فى تسعينيات القرن الماضي، إلا أنها لم تنجح إلا فى أمر واحد دون سواه، وهو الإفراج عن عناصر الجماعة من السجون، ودون ذلك فقد فشلت فى شكلها العام، والتوقيع عليها جاء على اعتبار أن فلسفة المراجعات تعود أساسا إلى فشل المشروع الجهادى فى إسقاط النظام القائم، عن طريق العنف والثورة الإسلامية، ولكن ليس مراجعة للعقيدة نفسها، وبالتالى جعل المراجعة أمرا حتميا كنتيجة الفشل، وليس أساسا للتراجع عن الفكرة.
إحياء التنظيم
فى مارس الماضي، اتهمت السلطات المصرية قيادات فى «الجماعة الإسلامية» بالسعى إلى إحياء نشاط الجماعة المُسلّح، والتخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية تستهدف قوات الأمن، واتهمت السلطات الأمنية ١٨ شخصًا بينهم ٣ من قيادات الجماعة فى محافظة المنوفية فى الدلتا، و١١ عضوًا فى الجماعة و٤ من أصحاب السوابق الجنائية بـ«إنشاء تنظيم سرى يتخذ من أفكار تنظيم الجماعة الإسلامية الذى يبرر أعمال العنف والإرهاب، أيديولوجية له».
يذكر أن طارق الزمر، رئيس مجلس شورى الجماعة الهارب فى تركيا، سبق وقال إن المراجعات كانت عتقا لرقبة قيادات الجماعة من السجن وليس رفضا لفكر العنف، وبالفعل ما زالت قيادات من داخل الجماعة تقاتل فى داعش وجبهة النصرة وحركة أحرار الشام وغيرها من الفصائل الإرهابية.
التنظيمات الجهادية:
وكذلك التنظيمات الجهادية التى عانت من أزمات فكرية عميقة قبل اعتداءات ١١ سبتمبر، ولأسباب تتعلق بهذه التفجيرات، اضطر عدد من التنظيمات الجهادية بالمسارعة فى تحركاتها نحو التوقيع على المراجعات الفكرية،على غرار ذات المراجعات الفكرية لتنظيم الجماعة الإسلامية، فى حين أنها قبل هذه التطورات الجديدة رفضت التوقيع على نفس المراجعات، وبعد الخروج الكبير لكبار القادة الجهاديين فى بداية الألفية، تراجع أغلبهم عما وقعوا عليه من مراجعات.
حزب الوسط
ويأتى حزب الوسط من التنظيمات التى أطلقت مراجعات فكرية فى وقت ما وانشق عن الإخوان، ثم تراجعت عنها بعد نجاح مرشح جماعة الإخوان محمد مرسى فى انتخابات الرئاسة عام ٢٠١٢.

«الزعفرانى»: بعض القيادات التزمت بها.. وآخرون انحرفوا عنها
الجماعات الأصولية المتشددة.. محاولة «فاشلة» للاندماج فى المجتمع
تعيش الحركة الإسلامية أزمة حقيقية تتعلق بوجودها وسط المجتمع، فبعد اعتلاء إحدى الجماعات المحسوبة على الإسلام السياسى فى مصر حكم الدولة، أصبح جزء كبير من الشعب ضد عمل هذه الجماعات التى انتهجت العنف، والذى أصبح وجودها يهدد استقرار الدولة
قال خالد الزعفراني، الخبير بالحركات الإسلامية، إن الحركة الإسلامية لم تشهد مراجعة حقيقية غير التى قامت بها الجماعة الإسلامية فى أوائل التسعينيات، مؤكدًا أن هناك العديد من الجماعات والحركات التنظيمية الإسلامية لا تتراجع عن أى موقف تم اتخاذه فى الغالب.
وأوضح الزعفرانى أنه فى السبعينيات شهدت الحركة الإسلامية مراجعات خاصة بالتكفير فكان التكفير فى ذلك الوقت منقسما لنوعين، تكفير جماعة شكرى مصطفى وتكفير القطبيين، مشيرًا إلى أنه هو وعدد من الأسماء الإسلامية أعلنوا بشكل واضح مواجهة هذه الأفكار، وعلى رأسهم أنا من خلال مقالات فى الأهرام، والشيخ محمد إسماعيل المقدم فى شرائط كاسيت ضد هذا الفكر المنحرف.
مراجعات حقيقية
وأضاف، أن الجماعة الإسلامية شهدت على يد الدكتور كرم زهدى والدكتور ناجح إبراهيم وعصام دربالة مراجعات حقيقية عن العنف الذى قامت به ضد الدولة، مضيفا أن بعض هذه الشخصيات التزمت فعلا بالمراجعات وبعضهم انحرف عنها، وبعد مراجعات الجماعة الإسلامية قام عدد من الجهاديين بعمل مراجعات ملاحقة للجماعة الإسلامية للتخلص من أفكار مواجهة الدولة بالسلاح والتخلى عن التكفير.
وفيما يخص المراجعات فى تاريخ جماعة الإخوان أكد الزعفراني، أن جماعة الإخوان لم تشهد أى نوع من المراجعات فى تاريخها كله، مؤكدًا أن الجماعة إن لم تشهد مراجعات حقيقية ستنقسم إلى عدد من الجماعات. وألمح إلى أنه لولا وجود مساندة من عدد من الدول الإقليمية بالمنطقة لانهارت جماعة الإخوان من فترة كبيرة، ولكن بقاءها حتى الآن مرتبط بمسندة بعض الدول لها.
أمر لا بد منه
أكد اللواء محمد صادق، مساعد وزير الداخلية السابق، وأحد المشاركين فى المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية، أن عمل مراجعات فكرية للجماعة الإسلامية كان أمرا ضروريا للغاية خاصة بعد انتهاء معظم فترات السجن على أغلب أعضاء الجماعة، وأصبح وجودهم فى السجن عن طريق الاعتقال طبقًا لقانون الطوارئ، مشيرًا إلى أن المراجعات الفكرية أمر كان غريبا على عمل الجماعات الإسلامية سواء الجماعة الإسلامية أو الإخوان أو السلفيين أو غيرهم.
وأوضح أن الدولة كانت ترفض بشدة الجلوس مع الجماعة الإسلامية للتراجع عن مواقفها، وكانت تعتبر هذه الجماعات مارقة وخارجة عن حكم ولى الأمر، وأن مجرد الجلوس معهم سيصبحون ندًا للدولة، مؤكدًا أن عمل مراجعات للجماعة الإسلامية كانت خطوة على مسئولية قيادات فى وزارة الداخلية فى ذلك الوقت.
إقناع القاعدة
وأضاف أنه بعد اقتناع القيادات الثلاث عشرة بأن أفكارهم كانت خطأ قاموا بالذهاب إلى باقى السجون لإقناع قواعدهم بأنهم تراجعوا عن أفكارهم، وبأنهم كانوا على خطأ فيما قاموا به حتى أقنعوهم ثم أعلنوا تراجعهم عن العنف خلال إحدى الجلسات وتم الإفراج عنهم وعن أغلب أعضائهم.
وألمح «صادق» أن الشعب والدولة ومؤسساتها أكثر المستفيدين من تخلى الجماعة الإسلامية عن العنف، مشيرًا إلى أن محاربة الفكر بالفكر أقوى من محاربته بالسلاح، ولكن هناك من الجماعات من لا يؤمن بالمراجعات من الأساس.

الجماعة الإسلامية أعلنت وقف العنف عام 1997.. وعادت لتأييد «الإرهابية»
شهدت الساحة العربية فى العقدين الماضيين، سلسلة من المراجعات الفكرية والفقهية، قامت بها جماعات أصولية متشددة، كانت وراء العديد من وقائع العنف.
وتعد هذه المراجعات بمثابة اعترافات صريحة من قبل هذه الجماعات بأنها ارتكبت أعمالا إرهابية، وضلت الطريق، وتسعى مرة أخرى إلى الاندماج فى المجتمع وتعلن توبتها على الملأ، ولعل أبرز تلك المراجعات التى قامت الجماعة الإسلامية بها، والتى كانت وراء مقتل الرئيس الثالث فى عام ١٩٨١، حيث قامت مجموعة من قادة الجماعة بإعلان مبادرتهم حول وقف العنف فى ٥ يونيو ١٩٩٧، خلال وجودهم فى السجون المصرية.
ورغم العديد من الشكوك التى كانت مثارة وقتها حول جدية مبادرة المراجعات الإسلامية، إلا أن الجماعة وقتها أصدرت قرارا من قبل «مجلس شورى الجماعة» فى عام ١٩٩٩، وأصدرت ٧ كتب، منها ٤ باسم «تصحيح المفاهيم والمراجعات» عام ٢٠٠٢، و٣ كتب بعد خروج أمير الجماعة وقتها «كرم زهدي»، والذى أطلق سراحه فى عام ٢٠٠٣، وتابع ذلك نوع من التوافق بين الجهات الأمنية والجماعة الإسلامية. ولكن سرعان ما عادت مرة أخرى الجماعة الإسلامية إلى نهجها العنيف، وتورطت فى دعمها لجماعة الإخوان الإرهابية عقب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، كما هدد عدد من قيادات الجماعة بارتكاب مزيد من الأعمال العنيفة، وورد ذلك على لسان القيادى بالجماعة الإسلامية عاصم عبدالماجد، حيث قال: «بنحذرك يا سيسي، أرى رؤوسا قد أينعت وحان وقت قطافها، اللى هيرش مرسى بالمياه هنرشه بالدم، سنسحقهم سنسحقهم»، وذلك خلال كلمته فى أحد مؤتمرات الجماعة بالمنيا، ونفس لغة التهديد قد أطلقه طارق الزمر القيادى بالجماعة.
صدام مع الدولة
بعد زيادة حدة صدام الجماعة الإسلامية مع الدولة فى الفترة الأخيرة، جدد بعض أعضاء الجماعة دعوتهم لتقديم مبادرة جديدة للتقريب بين أطراف الأزمة السياسية بمن فيهم الإخوان، وتضمنت المبادرة «عشرين بندًا» أهمها إحالة كل من تورط فى أعمال إرهابية إلى القضاء ليبت فىأمره.
ترشيد الجهاد
وعلى غرار مبادرة الجماعة الإسلامية فى التسعينيات، قامت «جماعة الجهاد» بإعلان مبادرتها التى سميت «ترشيد الجهاد» على يد فقيه الجماعة «سيد إمام عبدالعزيز الشريف» المعروف بالدكتور «فضل» صاحب الكتابين المرجعيين للجماعة، وهما «العُمدة فى إعداد العدّة للجهاد» و«الجامع فى طلب العلم الصحيح»، وتعتبر مراجعات د. فضل أهم مراجعات الجهاد على الإطلاق، بعد «١٠» سنوات على مراجعات الجماعة الإسلامية حيث جاءت فى «١١١» صفحة، وتم الإعلان عنها فى ذكرى «مذبحة الأقصر عام ١٩٩٧» بعنوان «ترشيد العمل الجهادى فى مصر والعالم وفق الضوابط الشرعية».
مبادرة التوبة
والأمر ذاته ينطبق على مبادرات «التوبة» التى أطلقتها الأجهزة الأمنية فى الجزائر فى فبراير ٢٠١٤، والتى تُتيح للمتطرفين غير المتورطين فى العنف الإفادة من عفو قضائى استنادًا لقانون المصالحة الوطنية فى الجزائر الصادر فى عام ٢٠٠٥، وهى التجربة التى سعت تونس لمحاكاتها فيما بعد، وفى نفس الاتجاه تأتى مراجعات الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة التى عنونتها بـ «دراسات تصحيحية» والتى صدرت عام ٢٠٠٩، والإسلامية الليبية المقاتلة جماعة سلفية جهادية منذ البداية، ولكن لم ينضم منها للقاعدة سوى بعض قادتها وكوكبة منها من المقيمين فى أفغانستان منذ فترة طويلة.
السلفية الجهادية
فى نفس سياقها مراجعات بعض المجموعات السلفية الجهادية فى المغرب العربى التى تزامنت معها وإن لم تصدر فى عمل متكامل حتى الآن.، كما أعلنت حركة النهضة التونسية عن عدة مراجعات خلال المؤتمر العام الذى عقدته بتونس، والذى اعتبره البعض إشارة على اختلاف الاستراتيجية التى تتبعها قيادات حركة النهضة الذراع السياسية لإخوان تونس، مع إخوان مصر والتى تتركز استراتيجيتهم على التصعيد والصدام مع الدولة.
إخوان تونس
وقد تمثلت سلسلة المراجعات التى تمت داخل إخوان تونس، على احترام الدستور القائم بالبلاد والنظام الحاكم واعترافهم به، حيث قالوا إن من سيدفع عن الدولة وعن الدستور إذا لم يكونوا أبناء الثورة كما كانوا يعارضونها عندما كانت ديكتاتورية؟».