يرى كثيرون أننا نعيش فى عصر الحرب الذى بدأ بهجمات الحادى عشر من سبتمبر. ومن المحير فى السنوات الماضية، أنه قُتل الملايين فى الحروب والصراعات غير أن القول إن عصر الحرب بدأ منذ الحادى عشر من سبتمبر فقط يعتبر خطأ صريحا وعنصريا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الوعي بالحرب بين سكان العالم وخاصة فى الغرب ظهر بعد الحادى عشر من سبتمبر، ومن ثم فإن الإدراك وليس الحقيقة هو الذي دفع المعلقين إلى اعتبار هذه فترة حرب وليست فترة سلام.
ويبدو من المؤكد أن الجيل الحالى من الشباب سيصبح ناضجًا سياسيا فى وقت يكون العالم كله فيه واعيا بالحرب، فقد أصبحت الحرب متكررة الحدوث ويمكن أن نذكر فى العقود القليلة الماضية على سبيل المثال: فيتنام، والشيشان والعراق، وسيراليون وكشمير.
أى أن هجمات الحادى عشر من سبتمبر كانت من المنظور العالمى مجرد مثال مروع آخر على المذابح البشرية ومع ذلك ومن الناحية الجيوبوليتكية، نجد أن استهداف الولايات المتحدة فى عقر دارها قد أحدث تغييرات جوهرية، فالحرب على الإرهاب – «الحرب الساخنة» وليس «الحرب الباردة»– تسيطر على الدوافع الجيوبوليتكية العالمية.
بهذه المقدمة يثير البروفسير كولن فلنت بجامعة بنسلفانيا والمتخصص فى الجغرافيا السياسية ونظرية النظم العالمية، نقاشا حامى الوطيس فى كتاب جغرافية الحرب والسلام: من معسكرات الموت إلى الحراك الدبلوماسى، والذى نقله إلى العربية عاطف معتمد وعزت زيان وكرم أبوسحلى وريهام أبودنيا.
وأود أن أشد بقوة على أيدى كل من عاطف معتمد وعزت زيان على وجه الخصوص لما قاما به من جهد متميز، ونقلهما إلى العربية روائع أكاديمية فى السياسية الدولية، والكتاب من الإصدارات الرائعة للمركز القومى للترجمة بالقاهرة ٢٠١٧.
وقد حددت الولايات المتحدة مستقبل العالم، باعتبارها القوى العظمى الوحيدة، ولا يستطيع المواطنون الغربيون الاستمرار فى تجاهل وتجنب الحرب، وبالرغم من الفظاعات المرتبطة بالحرب فإنها تقدم فرصا أيضا، فنحن نستطيع أن نكون أكثر علمًا بالحروب مقارنة بما تتيحه لنا تجاربنا المباشرة، وتعتبر الجغرافيا أداة قوية لاكتساب وتنظيم مثل هذه المعرفة.
والسؤال الآن ما الحرب؟ تأخذ أشكالا عدة من الهجمات الإرهابية إلى الصراعات بين الدول، حيث يختلف شكلها ونطاقها وضحاياها ودوافعها وأسلحتها، ولكن أحد جوانب الحرب ما زال منتشرًا عبر الزمان والمكان، المتمثل فى عبارة أن «الحرب طغيان»، وتشير قوة هذه العبارة إلى العمليات التى تجعل الناس الذين لم يكونوا سببًا فى الحرب مجرد تروس فى آلة حرب معبأة للدفاع عن الأرض والقيم والهويات الجماعية ضد العدوان. وعلى الرغم من تباين أشكال الطغيان والاستبداد، فإن طغيان الحرب سواء فى أرض المعركة أو فى الجبهة الداخلية، يؤدى إلى تجارب تظل تمثل عناصر مهمة فى العقلية السياسية للأجيال المعبأة ومن ثم فليس سهلا أن نقول: إن هناك جيلا عبر العالم يصل سن الرشد والحرب فى ذهنه.