الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

فلسطين.. والسلام المستحيل «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع المؤرخ الفرنسى البارز هنرى لورنس، أستاذ التاريخ المعاصر للعالم العربى بالكوليج دو فرنس، فى كتابة الموسوعى «مسألة فلسطين.. السلام المستحيل»، والذى يبدأ من يونيه ١٩٨٢ وينتهى فى يناير ٢٠٠١، بقوله: أصابت مجاعة إثيوبيا، فى عام ١٩٨٤، الرأى العام العالمى بالصدمة. وقد لجأ آلاف من اليهود الإثيوبيين «الفالاشا» إلى السودان. وهم منبثقون من فرع جد قديم من اليهودية، ولم يتم «اكتشافهم» إلا فى القرن التاسع عشر، وكان ذلك من جانب مستكشفين أوروبيين. وعلى مدار عام ١٩٨٤ كله، قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بعملية إجلاء للفالاشا إلى إسرائيل، إذ يدع نظام جعفر نميرى العملية تمر ما دامت تتم سرًا. وفى يناير ١٩٨٥، يقوم صحفى منتم إلى الصحافة اليهودية الأمريكية، فرحا بإحراز «سبق صحفى»، بنشر المعلومة على الرغم من الضغوط التى مارستها إدارة ريجان عليه. فيحتج الفلسطينيون ويجرى وقف الجسر الجوى. وينفى السودان أى تواطؤ من جانبه فى العملية. وتتعهد حكومة بيريز بأن تواصل بكل السبل إنقاذ اليهود الإثيوبيين. ويصطدم القادمون الجدد إلى إسرائيل بمصاعب التكيف مع مجتمع حديث، وبرفض اليهودية «الأرثوذكسية» اعتبارهم يهودًا. وتجرى مطالبتهم بــ «التحول إلى اعتناق اليهودية»، ما يعتبرونه مهينًا بشكل خاص، (فهم يهود بالفعل). 
وعلى النحو الواجب، يتعهد رابين، لدى توليه منصبه، كما سبق لمن سبقوه، أن تعهدوا، بتحسن حالة سكان الأراضى المحتلة، خاصة من الناحية الاقتصادية، وبالحفاظ على علاقات أفضل مع ممثليهم. ويتم إقرار بعض البوادر الإيجابية كتخفيف الرقابة على الكتب. ولا يجب للتدابير الاقتصادية أن تكلف الميزانية الإسرائيلية شيئًا، كما لا يجب أن تقود إلى قيام مشروعات إنتاجية منافسة. ومن غير الوارد السماح ببناء ما قد يكون بنية اقتصادية تحتية لدولة فلسطينية قادمة. 
لكن مقاربة رابين الحقيقية إنما تتمثل فى سياسة تفرض خفضًا حادًا لحالات لم الشمل العائلى والمتروكة لأمزجة العسكريين الإسرائيليين. والحال أن المحكمة الإسرائيلية العليا إنما تجيز هذا التوجه بإعلانها أن المقيم فى الأراضى الذى يتزوج غير مقيمة لا بدل له من المجازفة بوجوب الدخول بزوجته خارج الأراضي، والاجتماعات السياسية محظورة بشكل صارم. وتصاريح البناء قلما تصدر، ويقوم الجيش بهدم البنايات «المخالفة للقانون».
ويحاول بيريز ورابين الإبقاء على سياسة الاستيطان - التى عرقلتها استقطاعات الميزانية - ضمن إطار خطة اللون، أى خارج المناطق ذات الكثافة السكانية العربية القوية، قدر الإمكان. وعلى العكس من ذلك، يريد اليمين القومى والدينى تعزيز الوجود اليهودى فى قلب الضفة الغربية. وكلما توسع الاستيطان، زاد التوتر فى الضفة الغربية؛ حيث تتكاثر حوادث العنف. 
والحال أن وزير الدفاع - الذى عد فى تصريح له، فى أواخر يناير ١٩٨٥ «تعديات على النظام العام»، بينها ٢٧٧ هجومًا، خلال الأشهر الستة الأخيرة - إنما يرد تزايد التوتر فى الأراضى إلى التقارب بين منظمة التحرير الفلسطينية والأردن، والذى جعل من عمان «قاعدة للإرهاب». على أن رابين يرفض «الاعتماد الفورى لسياسة القبضة الحديدية ضد صانعى المتاعب»، كما يطلب ذلك اليمين الإسرائيلى القريب من حركة المستوطنين. 
وفى لبنان، يدرك رابين تمامًا أنه واقع فى شرك حرب إسرائيلية - شيعية (تصريح ١٤ ديسمبر ١٩٨٤)، إلا أنه من المستحيل عليه العودة إلى وضع ما قبل يونيه ١٩٨٢، لا سيما أن لبنان، وبخاصة الشيعة، يطالب قبل أى شيء آخر بحل جيش لبنان الجنوبى وبالعودة إلى الحدود الدولية. وبحسب تعبير يستخدمه رابين علنًا فى مناسبات عدة، فإن حرب ١٩٨٢ قد أخرجت الجان الشيعى من القمقم الذى كان محبوسًا فيه.