ارتدت ملابس فضفاضة.. هجرت مساحيق التجميل.. تقف أكثر من ساعة يوميا أمام المرآة تفكر في طرق إخفاء ملامح جسدها.. لم تعد تصفف شعرها.. أهملت ارتداء التنورة "جيبة".. تسير في الشوارع كالرجل.. ارتدت حمالات صدر صغيرة المقاس لتخفي معالم أنوثتها.. كانت دائما مبتسمة أثناء سيرها، لكنها الآن عابسة طوال الوقت.. توقفت عن الاعتناء بشكلها.. وأثناء خروجها من منزلها فجأة تعقبها رجل أمسك مؤخرتها أمام الجميع وفر هاربًا.
قررت أن تشتري سيارة لحمايتها من التحرش والمعاكسات وهي في طريقها إلى العمل، وفي إشارة مرور لوح لها رجل بيده ممسكًا 100 جنيه مع غمزة بعينيه فانهارت بالبكاء، وأثناء عودتها إلى منزلها قام رجل بفتح "سوستة " بنطلونه وهو في سيارته.
تعطلت سيارتها فقررت استخدام المواصلات العامة فتعقبها شاب في الثلاثينيات من أتوبيس لآخر، إذا وقفت وقف بجانبها تارة وخلفها تارة أخرى متحرشا، وإذا جلست جلس بجانبها متلمسا صدرها بكوعه وملاصقا رجله بفخذتها.
أخيرا فاض بها الكيل صرخت بعد صمت طويل خوفا من نظرة المجتمع لها، فثار المتحرش في وجهها وكاد أن يضربها وسط صمت المحيطين، لكن تملكتها الجرأة فصفعته على وجهه، فأسرع نحو باب النزول لينتهي يومها وغدا يوم جديد.
مواقف التحرش السابقة تتعرض لها آلاف الفتيات يوميا، سواء كن محجبات أم لا، جميلات أم لا، متزوجات أم لا، هذا الموضوع موجود بكثرة ولو كره الكارهون في مجتمعاتنا، لكن ما زالت البنت لا تستطيع التصريح به ولا الجاني يعترف به.
إلا أن ما زادني فاجعة رغم معرفتي بأننا نحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث نسبة التحرش، ذلك الفيلم القصير الذي بثته السوشيال ميديا ومدته 4.24 دقائق، وتحمل كل ثانية فيه ألف علامة استفهام وجرس إنذار.
بطل الفيلم أستاذ جامعي، إن صح ما تم تداوله "عنتيل سمعة سيئة" "مفتول العضلات برشاويه المادية والجنسية للطالبات".. فائز ببطولة كأس مجلس التأديب عن الشئون القانونية لتلقيه رشوة.. ملف إنجازه الوقف عن العمل.. يصارع الهبوط لدوري المتحرشين.. متصدر قائمة دوري العار والخزي.. لديه روح قتالية نحو الحرام.. لديه غريزة جنسية مرتفعة ارتفاع حرارة الطقس في هذة الأيام.
الفيلم تدور أحداثه حول أوسخ وأقذر سيناريو تسمعه أو تشاهده، البطل الخسيس يطالب الضحية بالتعري لتصويرها، ويسبها بأقذع الألفاظ ويجبرها على كتابة إقرار بأنه يساعدها ماديا ويشتري لها ولأطفالها الملابس، ويطلب منها اعترافا بأنه لم يتحرش بها وأنها التي عرضت نفسها عليه لكنه رفض، وفي المشهد الأخير من الفيلم يخيرها ما بين تصويرها عارية أو قتلها لينتهي الفيلم بصرخات الضحية وترديدها "مش للدرجة دي".
انتفض أيها القضاء فعدلك أساس الملك.. لن تنام حتى تقتص إذا استمعت لصرخات الضحية وتذليلها لبطل الفيديو بعدم هتك عرضها أو فضحها.. أوقف تفريخ المتحرشين وخلق بؤرة إضافية في سلسلة هاتكي الأعراض بقوانين رادعة وعدالة ناجزة.
انتفض سيادة رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت.. الآمال معقودة عليك بإرسال رسالة إيجابية للمجتمع مفادها سرعة اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الأستاذ المتهم بالمتحرش.. وإنجاز الفصل في إدانته من عدمه.. ابعد عن سرية التحقيقات وإعلانها للرأي العام أولا بأول.. اجعله عبرة لكل من تسول له نفسه داخل الحرم الجامعي الاقتداء به، بفصله نهائيا إذا ثبتت التهمة.
عزيزتي الضحية.. تحلي بالشجاعة وتقدمي ببلاغ رسمي للتحقيق فى الأمر لحفظ حقك والحصول عليه إذا كان للواقعة صحيحة، وساعدي المجتمع في بتر المتحرشين.
سيادة الدكتور المُدان.. مبروك أنت متحرش مشهور إلكترونيا.. ستدخل عائلتك تلقائيا إلى دائرة العقاب إذا ثبتت التهمة.. فالتفكّك الأسري والمصاعب الاقتصادية والحرمان الاجتماعي هي تكاليف تقع على أكتاف عائلة المتحرش وإذا أقرت العدالة بحبسك فالسجن عقاب أبدي ليس لك فقط، بل لعائلتك ومستقبلها تحت ما يسمى بـ«صحيفة السوابق».
فالمجتمع سيرفض مصاهرة أو إقامة نسب لسجين سابق بتهمة تخل بالشرف، وكذلك يرفض مشاركته في أي عمل وإن كانت ستحقّق مكاسب مادية، معلّل ذلك بفقدان الثقة والخشية من الارتباط بذلك المجرم المتهم بالتحرش وهذه عقوبة لا تضاهيها أي عقوبة.
في النهاية الفيديو محل تحقيق.. والمتهم بريء حتى تثبت إدانته.. ولكن إذا أصدرت المحكمة حكمها بالإدانة ستكتب في التاريخ "ياسين لا شيء".