شئنا أم أبينا تأتي الحياة بما لا نهوى.. أبطال مرابطون على الحدود يقضون ربيع عمرهم فى حياة قاسية بين طبيعة الأرض وشكل الحياة وطبيعة العمل يتركون ملذات الحياة ليعيشها آخرون، قد لا يدركون سوى التعليق وآخرون المواساة وكثيرون من النقاد بطبيعة تكوينهم، ولكن الحقيقة الوحيدة أنهم لا يدركون حق الإدراك ما تحمله تلك الحياة من قسوة.
ربما سمعنا عن حرب تدار، ولكننا نشاهدها عبر شاشات ونحن نشرب الشاى فى مكان مكيف، ونعبر عما بداخلنا عبر أزرار فى أجهزة.
ربما عندما شعرنا فى يوم من الأيام بعدم الأمان فى الشارع، وكانت تسيطر على شوارعنا مجموعات لا نعرف من هى. هل هم خاطفو أطفال أم بلطجية أم مغتصبون؟ كنا نلزم بيوتنا والأمهات يمنعن أطفالهن من النزول، وكان الشباب يجتمعون، أبناء المنطقة الواحدة المعروفون لدى القاطنين، ليشكلوا ما كان يعرف باللجان الشعبية، ليتصدوا لأى شخص تسول له نفسه الاقتراب من بيته، مع العلم أن من سوف يقترب لا يحمل من معدات الهجوم شيئا، وكان معظم الناس لا يطيقون العيش تحت ذلك الضغط النفسى والعصبي.
تخيل أنك تجلس على ناصية شارعكم، ومعرض للموت من أى شخص يعبر وأنت لا تعرف من الصديق ومن العدو، من يريد أن يفجرك ومن يريد أن يقتنصك.
راقب كل الأشخاص من حولك فى وسائل المواصلات والشرفات التى تمر من تحتها، والغريبين الذين يعبرون الطريق جانبك، وتخيل نفسك أنك مستهدف، ولكنك لا تعلم مِن مَن، ومن أين ولماذا؟
هذا شعور من يرابطون على الحدود ونحن نكتفى بالتعليق، وهنا يأتي السؤال المه: كيف ندعم أبناءنا، ونقف إلى جانبهم، ونحن لا نستطيع أن نذهب لنقف جانبهم على الحدود.
إن العدو كالشيطان فالشيطان يعذب عند ذكر الإنسان لتعاليم دينه والالتزام بالأخلاق والعمل الصالح، وكذلك عدونا يعذب عند رؤية إنتاجك وعند معرفة أنك تحاول أن تصلح من أخلاقك وسلوكياتك وعند رؤيتك لا تهاجم وتنتقد وتقف عن أمور قد تلهينا عن طريق قد يصل بنا إلى الأمان.
إننى لا أدعو لدعم أشخاص ولا مؤسسات ولا أسلوب معين للحياة، ولكننى لا أريد أن ننساق وراء أفكار تأخذنا من طريق الإصلاح والصلاح إلى تفرعات جانبية لن نصل فيها إلا إلى سراب، والسراب هو رؤية المياه على بعد، وهى غير موجودة فنمشى ونمشى بلا نتيجة بل نزداد عطشًا.
تلك هى الحياة كانت مع جيشنا المرابط أو مع أمراضنا أو مع أسلوب عيشنا، فلا تنجرف وراء الصغائر وتسحق تحت قدميك كنوزًا ترفع من شأنك وحياتك، وربما تساعدك فى آخرتك.
لنركز على الهدف ونتعايش مع الواقع ولا نهتم بالفئران، فملاحقتهم الآن قد تؤدى إلى سحق لبعض من المحصول ونحن فى أمس الحاجة له.
اقترب موسم حصاد القمح، وكان موسمًا فياضًا مليئًا بالخيرات والرزق والبركة، فذهب الفلاح البسيط إلى حقله متحمسًا يتفقد أملاكه ومحصوله كعادته، وبينما هو سائر بين سنابل القمح الجميلة، توقف فجأة حيث شاهد فأرًا بين السنابل، فجرى الفلاح وراء الفأر يريد أن يمسكه ويقتله، استغرق الأمر أكثر من ساعة والفلاح يحاول الإمساك بالفأر ولكنه عجز عن ذلك تمامًا، وبعد أن أفاق الفلاح وجد نفسه قد داس على الكثير من السنابل وأتلف الكثير من المحصول. هكذا من يضيع وقته ويهدره فى أمر ثانوى غير مهم، فإنه يخسر الكثير من الأمور المهمة ولا يربح إلا القليل وأحيانًا لا يربح شيئًا على الإطلاق.