واشنطن تستخدم كل صنوف الأسلحة خلال أيام معدودة، وتذكر دائمًا بوجود المزيد. فبعد عشرات صواريخ التوماهوك على مطار الشعيرات السوري، وبعد تحريك حاملة الطائرات الأمريكية كارل فنسون إلى شبه الجزيرة الكورية، ها هو الجيش الأمريكى يستخدم وللمرة الأولى أكبر قنبلة غير نووية فى التاريخ مستهدفا شبكة أنفاق تابعة لتنظيم داعش فى أفغانستان، كما أعلن البنتاجون.
يتابع إيوجين جاريكى مؤلف كتاب «الطريقة الأمريكية فى الحرب» بقوله: أطلق المؤرخ البريطانى بروجان عام ١٩٤٤ عبارة «الطريقة الأمريكية فى الحرب»، ليصف ما رآه مساهمة أمريكا فى تاريخ صنع الحرب أثناء الحرب العالمية الثانية؛ ذلك أن ترسانة أمريكا الديمقراطية التى بناها روزفلت قبل بيرل هاربور جعلت أمريكا البلد الذى يزود حلفاء أمريكا بالسلاح.
ومن وجهة نظر بروجان، فإن ما يميز العسكرية الأمريكية هو أنها كانت مميكنة مثل المزرعة الأمريكية والمطبخ الأمريكى؛ فبالجمع بين طرق الإنتاج الضخم بسعر رخيص وبطرق أسرع لتسليم مواد إلى ميدان المعركة، تمكنت أمريكا فى بادئ الأمر من تسليح حلفائها لمحاربة قوى المحور قبل أن تسير بالقوة نفسها فى تأمين نصرها هى.
إن تطوير الحرب العالمية الثانية للطريقة الأمريكية فى الحرب قد قاد إلى تأكيد زائد على أن صنعة الحرب ليست فقط جزءًا من السياسة الخارجية، وإنما أيضا من الحياة الأمريكية. وكما يعنيه مسمى «الطريقة الأمريكية فى الحرب» بطريقة لا فكاك منها فى نسيج الطريقة الأمريكية نفسها. فحتى قبل أن تبدأ الحرب، كان التحول الصناعى قد بدأ فى إعادة تشكيل مجال الولايات المتحدة، خالقا «رابحين وخاسرين» فى اقتصاد وقت الحرب الجديد.
عندما أسقطت القنابل الأربع – وزنة كل منها ألفا رطل، والتى وجهت بواسطة فوجى وتومز فى لحظات افتتاح عملية حرية العراق وضربت مجمعًا من مجمعات ضواحى بغداد سمى مزارع دورا – لم يصب الهجوم أهدافه: صدام حسين وابناه عدى وقصى. ورغم أن الزمن سيكشف ردود الأفعال الأكبر للهجوم، فإن الحرب التى شنتها الضربة كانت وفاء بمخاوف أيزنهاور من العسكرية الأمريكية المنفلتة. ومع ذلك، فبالنسبة لمخططيها، كانت الضربة الافتتاحية تظهر على أنها امتداد طبيعى لدور أمريكا الخارجى المتوسع منذ الحرب العالمية الثانية، ولأنواع التقدم التكنولوجى الذى أصبح ممكنًا من خلال الطريقة الأمريكية فى الحرب.
إن الكولونيل ريتشادر تريدواى قائد لقوات الجو من القالب المركزى، يقول إن المجمع العسكرى الصناعى الأمريكى هو الماكينة لكل ما هو عظيم فى الطريقة الأمريكية فى الحرب. ويوضح «أن المجمع العسكرى الصناعى كان خلقا حدث أثناء سنوات أيزنهاور عندما كان مفهمومًا أن الطريق لمواجهة الجبروت الكاسح المسيطر العسكرى للاتحاد السوفيتى هو فى خلق طاقة صناعية فى الولايات المتحدة لتنتج الأسلحة، والذخائر، ولكى تنفذ الطريقة الأمريكية فى الحرب».
وهكذا أعلن الرئيس بوش فى ديسمبر عام ٢٠٠١ مرددًا رجع صدى لغة تقرير بناك «لعام ٢٠٠٠» أن هذه الثورة فى عسكريتنا إن هى إلا بداية فقط، فقد كانت أفغانستان ميدانًا لإثبات هذا الطريق الجديد.
كان تاريخ ٢٦ نوفمبر عام ٢٠٠٦ يمثل علامة طريق مفزعة بالنسبة للحرب العراقية، ففى هذا اليوم – وبعيدًا عما كان عليه الإحساس الذى توقعه المحافظون الجدد، والذى خطط له رامسفيلد – فإن عملية «الحرية للعراق» حينئذ كانت قد تخطت تمامًا زمن انغماس الولايات المتحدة فى الحرب العالمية الثانية.
إن تدهور حرب العراق من كونها ملهاة تكنوقراطية لحرب تحولية لتصبح مستنقعًا من الطين ودماء البشر على الأرض قد برهن على صدق هؤلاء الذين عارضوا محاولة رامسفيلد فى المقام الأول.
ويتابع إيوجين جاريكى بقوله: كم تحمس مخططو حرب العراق لكى يطرحوا فكرة أن أمريكا كان يمكنها شن هجوم بمجرد كبسة زر، فيزيحون رأس الدولة، ثم – كما وعد نائب الرئيس الأمريكى نفسه – أن يتم الهتاف لنا فى العراق كمحررين.
لقد كان العيب المأساوى الكامن فى الخلف فى خطة الحرب يتمثل فى التوجه المضلل، وهو أن صدام كان يخبئ أسلحة الدمار الشامل، وأنه بمجرد أن تتخلص أمريكا منه، فإن شعب العراق سيرحب بالقوات الأمريكية كمحررة للعراق.
وقد أوحى ذلك بأن صدام عدو خطير وأنه هو – وليس العراق – الذى يجب التغلب عليه. ولو كان مخططو الحرب أكثر اهتمامًا بتفهم عدوهم، فربما انتبهوا إلى تحذيرات خبراء التسليح الذين قدموا الحجة أن صدام ببساطة كان يبقى مظهر أسلحة الدمار الشامل ليلقى الرعب فى جيرانه. أما فيما يتعلق بفهم المجتمع العراقى، فلو كان مخططو الحرب أكثر انتباهًا للعارفين من الخبراء، لكانوا قد فهموا أنه بعد حرب الخليج الأولى، ومرور عقد من تطبيق عقوبات الأمم المتحدة، ورغم أن أغلبية العراقيين لم يؤيدوا صدام، فإنهم لم يكونوا ينظرون إلى غزو الولايات المتحدة لبلادهم على أنه بديل يمكن الترحيب به، وربما كانوا قد انتفعوا من خبراء فى الثقافة العراقية الذين أمكنهم تبيُّن ما فى صندوق العجائب من صنوف التنافر العرقى التى سيتم إطلاق سراحها بخلع صدام من الحكم.