الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

خطاب العنف والدم.. الطحاوى وتأسيس السلفية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قد أسس أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري الحنفي المعروف بالطحاوي (237: 321 هـ‍) للعقيدة السلفية وعرفت فيما بعد بالعقيدة الطحاوية. ويعد كتاب القاضي صدر الدين علي بن محمد بن العز الحنفي (731: 792 هـ‍) "شرح العقيدة الطحاوية" من أهم الكتب التي تعتمد عليها الجماعات السلفية في العقيدة على اختلاف انتمائتهم وتوجهاتهم، وقد أضيف في هذا الكتاب العديد من الفتاوى القاتلة للعقل الإسلامي، وأول ما يواجهنا به الشارح نحو أصحاب الرأي من أهل الكلام أي أهل الجدل الفلسفة والمنطق بنقل مقاله لأبي يوسف صاحب أبو حنيفة فيهم هذا نصها: "العلم بالكلام هو الجهل والجهل بالكلام هو العلم. وإذا صار الرجل رأسًا في الكلام قيل زنديق أو رمي بالزندقة ومن طلب العلم بالكلام تزندق".

ونقل عن الشافعي قوله فيهم: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام.

ولم يقف عند هذا الحد بل طالت قذائفه وفتواه الاتجاهات المخالفة لعقيدة الفقهاء فيما يتعلق بصفات الله تعالى التي تقوم على الروايات وأقوال السلف، تلك الاتجاهات التي أنكرت رؤية الله وأن كلامه سبحانه غير مخلوق ورفضت التشبيه والتجسيم الذي تشير إليه الروايات ونسبة الظلم إلى الله برفض فكرة إرادة الله للشر والكفر وأنهما يتمان بمشيئته، وهي ما يعرف بفكرة خلق أفعال العباد التي يدين بها الفقهاء.

ولم يسلم العقل منه فقد اعتبر أنه إذا اصطدم العقل مع النقل وجب تقديم النقل أي الرواية لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين وتقديم العقل ممتنع والواجب التسليم للرواية وتلقيها بالقبول والتصديق دون معارضة بخيال باطل نسميه معقولا، وهذا الرأي هو ما ذهب إليه أحمد ابن حنبل الذي سبق ذكره.

ويؤكد الطحاوي أن جميع ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الروايات التي يعتبرها الفقهاء صحيحة من الشرع والبيان كله حق. وقد وشن الشارح حربًا شعواء على الفلسفة والفلاسفة وأن حقيقة أقوالهم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا رسله ولا كتبه. مؤكدًا أن أهل السنة لا يعدلون عن الرواية ولا يعارضونها بمعقول أو بقول أحد من أهل البدع والأهواء. كما هاجم الشارح الاتجاهات الأخرى التي تستند إلى قوله تعالى (ليس كمثله شيء) في نقص الروايات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم بخصوص صفات الله تعالى والتي تصطدم اصطدامًا صريحًا بهذا النص القرآني. والشارح بموقفه هذا يكون قد مال إلى صف الرواية في مواجهة النص القرآني، بل اعتبر خصومه يحرفون الكلم عن مواضعه ويلبسون على الناس دينهم وفهموا من أخبار الصفات ما لم يرده الله ولا رسوله فهمه أحد من الفقهاء.

يقول الطحاوي: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمرنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدًا من طاعتهم. ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة، وحشد الشارح عشرات الروايات التي توجب على المسلمين طاعة الحكام وإن كانوا فجارًا فسقة شعارهم ظلم العباد ونهب البلاد. وعلى رأس هذه الروايات رواية تقول: من رأى من أميره شيئا فليصبر، ورواية تقول: أطع الأمير وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، تلك الروايات التي استخدمتها الدعوة السلفية في مصر قبيل تنحية الرئيس مبارك في الأيام الأولى من ثورة يناير 2011، وتستخدمها حتى الآن السلفية المدخلية بقيادة محمد سعيد رسلان في مصر. ورواية تقول: من فارق الجماعة - أي شق عصا الطاعة على الحكم - فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه أو مات ميتة جاهلية كما تنص روايات أخرى، وبهذا يكون الخروج على الحاكم خروج عن الجماعة وبالتالي خروج من الإسلام فيهدر دمه وماله وعرضه.

ويستكمل الشارح: وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور. فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا والجزاء من جنس العمل فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة وإصلاح العمل، فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم. وهذا الكلام هو محل إجماع الفقهاء سلفًا وخلفًا بل هو من معتقدات أهل السنة التي اعتبرت من أساسيات الدين الواجب على المسلمين الالتزام بها ومن أخل بها فهو ضال زائغ يدخل في زمرة أهل البدع والأهواء. وقد أجاز الفقهاء قتل الخارج على الحكام المفارق للجماعة على أساس رواية تقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة.

هذا هو نهج الفقهاء والسلف الذين سخروا الدين في خدمة الحكام وألزموا الأمة بالسير على هذا النهج الذي حدد الشارح أن أتباعه هدى وخلافه ضلال.

ليس هذا فقط بل تقوم العقيدة الطحاوية على تحريض الحكام للنيل من معارضيهم، وهذا ما يتمثل تمامًا في الدعوة السلفية بمصر الآن، حيث يطالب الشارح الحكام بالتدخل للقضاء على المخالفين من جميع الاتجاهات وأهل اللعب واللهو والفنون بقوله: والواجب على ولي الأمر وكل قادر أن يسعى إلى إزالة المنجمين والكهان والعرافين وأصحاب الضرب بالرمل والحصى والقرع والقالات ومنعهم من الجلوس في الحوانيت والطرقات أو يدخلوا على الناس في منازلهم وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه.

وهو بهذه الفتوى لم يمنح الحاكم فقط سلطة مقاومة المنكر بل منح أفراد الرعية أيضًا هذه السلطة لمقاومة مثل هذه الأنشطة والممارسات.

وبالطبع فإن مقاومة أصحاب الرأي والاتجاهات المخالفة هي مقدمة على ذلك بل هي أولى في منظور الفقهاء.