يتابع يفجينى بريماكوف، الكشف عن الكواليس السرية للأحداث الساخنة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بقوله، يوم ١٥ ديسمبر ٢٠١١ قام وزير الدفاع الأمريكى ليون بانيتا بإنزال علم القوات الأمريكية، وأعلن عن انتهاء العمليات الأمريكية فى العراق. والرئيس أوباما ألقى خطابًا فى قاعدة عسكرية بشمال كارولينا، قال إن الولايات المتحدة «تترك العراق دولة ذات سيادة، مستقرة، ومكتفية ذاتيًا».
من الصعب أن نفترض، أن العراق سيستطيع خلال عدد كبير من الأعوام أن يحظى بالاستقرار والهدوء بعد انتهاء الاحتلال، لقد بلغت الفوضى لدرجة أن العراق أصبح غارقًا فيها منذ عام ٢٠٠٣. السؤال المتجذر ينحصر فى الآتى: هل تستطيع الولايات المتحدة، التى فشلت فى سياسة احتلال العراق، أن تخرج هذا البلد من هوة الإرهاب السحيقة؟، الإجابة على هذا السؤال تبقى معلقة وبدون إجابة.
الأحداث فى الشرق الأوسط معقدة، وغالبًا غير متوقعة، وقابلة للانفجار فى أى لحظة، وتكونت حولها تربة لنظرية عن أن تناقض عالم اليوم هو حضارى دينى، أتباع هذه النظرية من السياسيون ذهبوا لأبعد من ذلك، مؤكدين أن تقسيم العالم على أساس حضارى دينى حل محل تقسيم العالم علي أساس أيديولوجى.
هذا النوع من التقسيم مرتبط اليوم بظهور الإرهاب على المسرح الدولى، الذى يزعمون أنه مرتبط بالإسلام بوصفة دينًا. الحقيقة اليوم أن كثيرًا من المنظمات الإرهابية، ترتدي ملابس إسلامية، وتضع كمهمة لها إقامة دولة خلافة موحدة على أراضى كل الدول التى يقطنها سكان مسلمون. لكن ماذا سيحدث نتيجة هذا؟ الأهداف المباشرة لهجمات القاعدة «الإرهابية»، تصبح الدول الإسلامية نفسها، ذات الأنظمة المعتدلة أو العلمانية، هذه الحقيقة، فالعمليات الإرهابية التى قامت بها «القاعدة» وفروعها فى الدول العربية كالسعودية ومصر وتركيا، من ناحية عددها تفوق الأعمال الإرهابية فى دول غرب أوروبا.
فى مثل هذه الظروف من المهم جدًا التوضيح للشرائح الأوسع للسكان، ليس فقط غير المسلمين، ولكن فى الدول الإسلامية أيضًا، الفرق بين الإسلام الأصولى، والإسلام المتطرف. الإسلام الأصولى عبارة عن بناء مساجد وإقامة الشعائر، المساعدات المتبادلة بين المؤمنين، لكن ماذا يحدث عندما تتخذ الأصولية الإسلامية الشكل العدوانى المتطرف، ويصب هذا فى فرض النموذج الإسلامى فى إدارة الدولة والمجتمع. عرف التاريخ مراحل، عندما نمت الأصولية المسيحية، إلى مسيحية كاثوليكية متطرفة، ولنتذكر حتى اليسوعيين أو الحملات الصليبية، نحن اليوم نصطدم بظهور الإسلام المتطرف.
يرى البعض سبب هذا فى تنامى الهوة بين الأغنياء «بمليارات الذهب»، الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبا وأستراليا، وباقى دول العالم، التى يتكون جزء كبير منها من دول يقطنها مسلمون. لكن هذه ليست إجابة كاملة. القضية فى أن قادة المنظمات والمجموعات الإرهابية، ينحدرون من أسر ميسورة.
يقول بريماكوف: من وجهة نظرى صعود التطرف الإسلامى مرتبط ببعض الظروف، الأهم منها ليس المواجهة بين الحضارات المختلفة، ولكن أزمة الحوار فيما بينها.
عملية العولمة السارية فى العالم هذه الأيام، شملت كل المجتمع الدولى، بما فى ذلك الدول ذات السكان المسلمين، وهذه الدول ليست موجودة خارج حدود الكون التكنولوجى للحضارة العالمية، التى تؤثر حتى ولو ليس بالتساوى، ولكنه تأثير ضخم فى كل جوانب تطور الإنسانية بشكل عام.
المشكلة فى أن الحضارة العالمية ليست فقط تقنية تكنولوجية جديدة، وإنما هى تراكم روافد ثقافية دينية سياسية مختلفة بالأصالة، وبانتظام تقترب من الجمع الاجتماعى الثقافى المتراكم من خلال الحوار. بالتحديد هذا الحوار هو الذى يعيش اليوم حالة أزمة. الدليل على ذلك يعتبر بالدرجة الأولى تمسك الناتو بزعامة الولايات المتحدة بتصدير النموذج الغربى للديمقراطية إلى الدول الأخرى، زد على ذلك أن سكانها مسلمون بالإضافة إلى أن الحديث يدور عن تصدير باستخدام القوة. كان العالم منذ فترة قصيرة مقسمًا على أساس أيديولوجى، واستطاعت الإنسانية أن تهزم هذا، لكن تقسيم العالم على أساس دينى ـ حضارى جديد، ويمكن أن أقول ليست أقل تهديدًا. ويجب أن تجد الإنسانية فى نفسها القوة لكى تتخطاه.