الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

فقه العنف والدم.. ابن حزم الظاهري نموذجًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن الناظر إلى الدين الإسلامي والنص المحوري له "القرآن الكريم" ليجد فيه سماحة وسلامًا ودعوة إلى الأخلاق والأمن تكاد لا تضاهيها دعوة أخرى، وهذا ما يطرح على الأذهان لماذا كل هذا القتل باسم الإسلام، ولماذا كل هذه الدماء التي تنزف أنهارًا ومعظمها لمسلمين بأيدي مسلمين؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها لا بد لنا من الحفر في هذا التراث الإسلامي، ربما نجد ما ينير طريقنا لمعرفة أسباب هذا التطرف والعنف والجذور والمرجعيات التي أسّست له.
ولا شك ان الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي هو الذي يشكل الأفكار والمفكرين، ولهذا الواقع دور مهم في نشأة المفكر أو الفقيه، وقد كان عصر ابن حزم عصر الدسائس والفتن والصراعات بين ملوك الطوائف وبعضهم، وبين الفقهاء الذين ساروا في ركاب هؤلاء الملوك، وأن هذه الحالة السياسية بلا شك قد انعكست على شخصية ابن حزم فأصابتها بالحيرة والانفعال، ذلك الذي نراه بوضوح في آرائه ومواقفه من الآخرين، حيث أعلن الحرب على فقهاء عصره وشتى الاتجاهات الإسلامية الأخرى، مما أدى إلى كراهية الجميع له وتربصهم به، وليس أدلَّ على ذلك من كتابه "الفِصل في المِلل والنِّحَل" والذي أطلق من خلاله قذائفه على جميع الاتجاهات، مسلمين وغير مسلمين.
ويقول ابن حزم: "أهل السنة أهل الحق، ومَن عداهم فأهل البدعة، فإنهم الصحابة وكل مَن سلَك نهجهم من خيار التابعين ثم أصحاب الحديث ومَن اتبعهم من الفقهاء جيلًا فجيلًا إلى يومنا هذا ومَن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها، وقد تسمَّى باسم الإسلام مَن أجمع جميع فِرق الإسلام على أنه ليس مسلمًا مثل طوائف الخوارج، وطوائف من المعتزلة، وطوائف من المرجئة، وآخرين كانوا من أهل السنة كالحلاج وغيره وطوائف من الشيعة، وكل هذه الفِرق لا تتعلق بحجة أصلًا، وليس بأيديهم إلا دعوى الإلهام والقحّة والمجاهرة بالكذب، ولا يلتفتون إلى مناظرة ويكفي من الرد عليهم أن يُقال لهم، ما الفرق بينكم وبين مَن ادعى أنه ألهم بطلان قولكم ولا سبيل إلى الانفكاك من هذا، وأيضًا فإن جميع فِرق الإسلام متبرئة منهم مكفِّرة لهم مُجمعون على أنهم على غير الإسلام". 
ومن هنا يكون الإسلام عند ابن حزم هو أهل السنة والجماعة الذين ينطق بلسانهم ويحاكم الاتجاهات الأخرى على أساس عقائدهم وروايتهم، وكتابه "الفصل" كما هي حال كُتُب الفِرق الأخرى إنما يتحدث بلسان الاتجاه السائد اتجاه أهل السنة، لا بلسان النص والعقل والرأي؛ لأن كل ذلك محرَّم في مذهب أهل السنة الذين تقوم عقائدهم ومذهبهم على أساس الروايات وأقوال الرجال ونبذ الرأي والعقل.
ويبدو من كلام ابن حزم أنه يتحدث بمنطق الاستعلاء على الاتجاهات الأخرى، وهو المنطق السائد لدى معظم الجماعات الإسلامية "السلفية" في تعاملهم مع الآخر، كما هو منطق كتب الفِرق جميعها التي كُتبت بأقلام رجال السلف. 
وكذلك من خلال قراءة كتاب ابن حزم يتبين لنا أنه يجزم بتسطيح الآخر ويصور الاتجاهات الأخرى على أنها لا تحتوي رصيدًا من الفكر والوعي والنصوص، ولا تقوم بأمرها عناصر فقهية، بل إنها تحوي أهل السَّفَه والجهالة وأصحاب الأهواء، هذا الموقف لا ينفرد به ابن حزم، بل سبقه ابن حنبل ولحِقه الكثير من فقهاء السلف المتمسكون بالنصوص والمرويات والمعادون لأهل الرأي والعقل.
ليس هذا فقط بل يقوم ابن حزم بتوجيه ضرباته وقذائفه وفتاواه على الرعية والخصوم بقوله بجواز الصلاة وراء الحاكم الفاسق والجهاد والحج معه ودفع الزكاة إليه وإنفاذ أحكامه من الأقضية والحدود وغير ذلك.
يقول ابن حزم: "ذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز الصلاة إلا خلف الفاضل– أي الحاكم الأفضل والأَوْلى بالحكم– وهو قول الخوارج والزيدية والرافضة وجمهور المعتزلة وبعض أهل السنة، وذهبت طائفة الصحابة كلهم دون خلاف من أحد منهم وجميع فقهاء التابعين كلهم دون خلاف من أحد منهم وأكثر مَن بعدهم وجمهور أصحاب الحديث وهو قول أحمد بن حنبل والشافعي وأبي حنيفة وداود وغيرهم، إلى جواز الصلاة خلف الفاسق، الجمعة وغيرها، وبهذا نقول، وخلاف هذا القول بدعة محدثة، فما تأخّر قط أحدٌ من الصحابة الذين أدركوا المختار بن عبيد والحجاج وعبيدالله بن زياد وحبيش بن دلجة وغيرهم عن الصلاة خلفهم، وهؤلاء أفسقُ الفساق، وأما المختار فكان متهمًا في دينه مظنونًا به الكفر". 
لقد أجاز الفقهاء الصلاة وراء الحاكم الفاسق الذي تقطر يده بدماء المسلمين، بينما حرَّموها وراء المخالف لهم من الاتجاهات الأخرى بحكم أنهم من أهل البدع في منظورهم.
إن الفقهاء أمثال ابن حنبل وابن حزم اعتبروا أنفسهم أوصياء على الدين وحفَظة المسلمين من شرور المخالفين، فمِن ثم سلكوا جميع الوسائل والسبل من أجل عزلهم والقضاء عليهم، بداية من تحريض الحكام عليهم، ونهاية بتكفيرهم.