الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ليس دفاعًا عن الإمام الأكبر!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طالعتنا إحدى الصحف المصرية يوم الأحد 19/3/2017، بمقال ينتقد فيه الشيخ الدكتور أحمد الطيب في كتابٍ له يُسمَّى: «التُّراثُ والتَّجديدُ مناقشاتٌ وردودٌ»، جاء في مقاله بتناقضات وأوهام من شأنها تضليلُ القرَّاء من ذوي الثقافة المتوسطة -أو أقل منها- والتلبيسُ عليهم من وجوه عديدة، كما سنُبيِّنُ في هذه السطور.
أُولى الفِرَى:
أول فرية جاءت في هذا المقال هو مضمون عنوانها الذي يحمل طابعًا تدليسيًّا واضحًا على القارئ، وإيهامًا بأن الرد على كتاب «التُّراث والتَّجديد» للدكتور حسن حنفي إنما هو من نتاج هذا العام (2017م)، على الرغم من أن هذا الرد قد طبع في مطلع تسعينيات القرن المنصرم، وإنما أعيد طبعه هذا العام!
ثانيةُ الفِرى:
لم يكتف ذلك الكاتب بعنوانه ذي الطابع التدليسي -كما هي عادة الكثير من صِحافيِّ هذه الأيام- حتى حشا مقاله بمجموعة أخرى من الأكاذيب والأضاليل؛ منها تصديرُ الشيخِ الكتابَ بمقاطعَ ممَّن يرد عليهم من المفكرين وأساتذة الفلسفة دون ذكر اسم الكتاب أو اسم الصفحة -كذا جاء في مقاله ولا نعرف للصفحة اسمًا بل رَقْمًا- أو اسم مَن كتب!
ولو أنه كلف نفسه عناء النظر إلى هوامش الكتاب لوجده طافحًا بأسماء الكتب التي يَنقُلُ منها النصوص التي هو بصدد مناقشتها مناقشة علمية هادئة، مع الالتزام بالمنهج التوثيقي؛ من ذكر اسم الكتاب ورقم الصفحة، مع عدم الاكتفاء بذلك، بل يذكر الطبعات التي اعتمد عليها وسنة النشر، وغير ذلك من البيانات التي تؤيد صحة النقل، وتبعث على الطمأنينة في نفس القارئ بأن هذه النصوص ليست مُفتراةً على صاحبها؛ فبإمكانه مراجعتُها في مَظانِّها المذكورةِ، وانظر على سبيل المثال صفحات: 14، 18، 21، 25، 27، 28، 29، إلى آخر صفحات الكتاب.
ومما وقع فيه صاحب المقال -مما يتعلقُ بمأخذه في هذه الجزئية- ذكرُه سنة ميلاد الشيخ بعد الموضع الخامس، مخالفًا بذلك ما تعارف عليه الكُتَّابُ والصِّحافيُّون مِن ذِكرِها في الموضع الأول لا الخامس!!!
ثالثةُ الفرى:
ادعاؤه أن الشيخ يلوي متعمدًا كلام الدكتور حسن حنفي؛ لِيَخلُصَ من ذلك إلى أنه يُسوِّي بين نصوص القرآن الكريم وغيرها من نصوص البشر!
مع أن كلام الشيخ في هذه القضية نصٌّ ظاهرُ المعنى لا يحتمل التأويل أو الالتباس بغيره من المعاني؛ فالشيخ هنا يَنسُبُ التسويةَ بين نصوص القرآن وغيره إلى نص الدكتور حسن حنفي، لا إلى شخصه أو اعتقاده، وفرق عظيم هائل بين الأمرين، كما أن حيثية التسوية هنا هي تكوين نفسية الجماهير، لا حيثية مطلقة، كما تشير إليها عبارة صاحب المقال الفضفاضة، ويدل على ظهور كلام الشيخ ووضوحه نفيُه الصريحُ اتهامَ الدكتور حسن حنفي بلازم تلك التسوية التي تحتملها عبارته، وهذا النفي ذكره صاحب المقال مُخرِجًا إياه عن سياقه.
رابعةُ الفِرى:
زعمُه أن الشيخ ظلَّ بلا إنتاج علمي فيما عدا كتابًا واحدًا مُترجمًا عن الفَرَنسيَّةِ وهو «الولاية والنبوة عند الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي»!
أَوَلَم يقرأ صاحب المقال ترجمةَ مَن يتعاطاه بالنقدِ -والهجومِ- وهي متوافرةٌ على شبكات الإنترنت، وفيها سردٌ لمؤلفات الشيخ، والتي تبدأ من ثمانينيَّاتِ القرن المنصرم حتى يومِنا هذا؛ من كُتُبٍ، وأبحاث منشورة في مجلات علمية مُحكَّمةٍ، وترجماتٍ، وغير ذلك؟!
خامسةُ الفِرى:
وهي أَكثَرُها عَجَبًا! ويَصدُقُ عليها قولُ القائل: «رَمَتنِي بِدَائِها وَانسَلَّت»؛ وهي زعمُه أنه أحصى في الكتاب (17) غلطًا نحويًّا ولغويًّا في (40) صفحةً فقط، لم يذكر منها واحدًا على الأقلِّ كمِثالٍ على صحَّةِ مُدَّعاهُ.
ولكننا لن نماثله الادعاءاتِ المُفتراةَ من غير دليل؛ بل نقول له: مقالتُك هذه التي تزعم فيها وجود هذا العدد من الأخطاء اللغوية في كتاب الشيخ الدكتور أحمد الطيب- مَحشُوَّةٌ بالأخطاء اللغوية، فهلَّا كان جديرا بك إعطاؤها مصححًا لغويًّا لتَفاديها واستدراكِها؟!!!
من الأمثلة على هذه الأخطاء اللغوية الواردة في مقاله قوله: «خصيصًا»، وهي لحن قبيح، رسمًا وإعرابًا، والصواب أن تكتب هكذا: «خِصِّيصَى»، أو يمكن استبدالها بـ: «خُصوصًا» كما ذكرته المعاجم العربية.
ومنها قوله: «اللهم إلا كتاب مترجم...»، والصواب أن يقول: «اللهم إلا كتابًا مترجمًا...»، لأن المستثنى هنا واجب النصب باتفاق النحاة؛ فإنه كلام تام مثبت.
ومنها قوله: «لأسًتاذه...»، «الًساخرً»، ولا نعرف وظيفة التنوين في هذه المواضع؛ فالتنوين في تعريفه: «ما يلحق آخر الاسم ...»، لا قبله!!!
إلى غير ذلك من أخطاء وقع فيها، وكان يمكنه تفاديها واستدراكها، كما زعم.
سادسةُ الفِرى:
مأخذُه على الشيخ عباراتٍ ظاهرُ قَصدِه بها التواضعُ لا غيرُ، إلا أن صاحبنا -كما العادةِ- أَخرجَها عن سياقها، وبنى عليها أحكاما مُتوهَّمةً!
ولم يعلم صاحبنا أن الشيخ يَغلِبُ عليه طابَعُ المتصوَّفةِ المُتشرِّعةِ الذي يقوم على إنكار الذات والتواضع، لا سيما في مَعرِضِ المناظرات والمناقشات والردود.
وقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد سُئِلَ: أي الناس خير بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب: أبو بكر ثم عمر، فسأله ابنه: وأنت؟ فقال: ما أنا إلا رجل من المسلمين، وهو من هو كرم الله وجهه.
وغير ذلك في كلامهم كثير.
سابعةُ الفِرى:
اقتطاعُه نصوصًا من كلام الشيخ، والحُكمُ عليها بأنها لغةٌ إنشائيةٌ انفعاليةٌ بعيدةٌ عن البحث العلمي الأكاديمي!!!
نقول له: إن الحكم للغالب، والنادر لا حكم له، ولئن سلَّمنا جدلًا أن في الكتاب بعضَ التعبيرات التي قد يبدو منها أنها صِيغَت صياغةً انفعاليةً؛ إلا أنها نزر يسير، فالأسلوبُ الغالبُ على الشيخ في كتابه -بل في أغلبِ كُتُبِه- هو الأسلوبُ العلميُّ المباشرُ، الذي يستخدمُ اللغة الواضحة والمباشرة في الدلالة على المطلوب.
ومَثَلُ صاحبِنا -في زَعمِه- كمَثَلِ رَجُلٍ قرأ القرآنَ العربيَّ المُبينَ، فوجد فيه بعض الألفاظ الأعجمية؛ فراح يقول: إن القرآن كتاب أعجمي!!!
والتشبيهُ مع الفارقِ.
آخِرُ الفِرى:
استفهامُه الإنكاريُّ عن سعيِ الشيخ الدكتور أحمد الطيب إلى التجديد بعدما صار شيخًا للأزهر الشريف، وسعيِه إلى نفض ما تراكم من غبار على الأصول؟!
أقول: كأن صاحبنا لم يسمع عن المحاضرات التي ألقاها الشيخ فيما يتعلق بقضايا التجديد، ووصاياه لعلماء الأمة وحكمائها بضرورة التجديد، وتحديد مفهومه، والدعوة إلى «كسر حاجز الخوف بين أهل الفتوى من الفقهاء والعلماء وبين الاجتهاد والنظر في الحكم والدليل، بعد النظر في محل الحكم، وما يَعتَوِرُه من مصالح أو مفاسد»، إلى غير ذلك من جهود ومساع رامية إلى إحياء التجديد ونشره في أرجاء العالم الإسلامي.
وكذا ما كُتِبَ -برعايته- من كتبٍ مطبوعةٍ تناولت قضايا التجديد، مثل كتاب: «مقالات في التجديد»، «قول في التجديد»، وغير ذلك.
هذه بعضُ الفِرى التي وقفت عليها أثناء مطالعتي ذلك المقال على عجالة؛ فأحببت أن أقيد عليها هذه الكلمة؛ من باب الإنصاف وإحقاق الحق.
وأودُّ في الختام أن أدعوَ إلى ضرورةِ التثبت قبل التعرض لانتقاد أحد أو كلامه -لا سيما الرموزُ الإسلاميةُ- والتزامِ عرض الصورة كاملةً غيرَ مُجتزَأَةٍ أو مُخرَجةٍ عن سياقها الذي سِيقَت فيه، واجتنابِ الافتراءات والأباطيل؛ وذلك مِن قِبَلِ الناقد أو القارئ على حدٍّ سواءٍ.