السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«نيقولا حداد».. «ألف.. باء» الاشتراكية المصرية «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد الانقلاب العثمانى عاد الثلاثى أنطون - روز - نقولا إلى مصر فقد حان الوقت للعمل، عادوا إلى مصر لأنها كما قال نقولا «الوطن الذى قضينا فيه زمن الشبيبة وهو المركز الأوسط لجميع العالم العربى». لكن نقولا كان من بين الثلاثة الأكثر تغيرا فقد تلقن فى أمريكا الكثير من الفكر الاشتراكى.. عبر زملائه من المفكرين العرب فى «الرابطة القلمية»، ومنهم أمين الريحانى وميخائيل نعيمة وغيرهما. وأصدروا معا ومعهم فرح أنطون وروز مجلة «الجامعة» ومجلة «السائح»، والتقوا مع طلائع الفكر الاشتراكى الأمريكى.. الذين واجهوا بضراوة وحشية الاحتكارات الأمريكية الناشئة عبر اعتصار دماء وعرق الكادحين الأمريكيين، ويكتب أمين الريحانى موجها حديثه إلى مدينة نيويورك قائلا «أحشاؤك من الحديد وفيها عقدة، وصدرك من الخشب وفيه سوسة، وفمك من النحاس وعليك صدأة، جبينك من الرخام وفى جماله جمودة. ويل لأبنائك، تشربين ذوب الإبريز وتأكلين معجون اللجين وتنقلين أجنحة العلم وتلبسين الفاخر من الحرير والنادر من الحلى وقلبك قار يشتعل.. ويل لأبنائك وعشاقك» «قدرى قلعجى السابقون- ص ٤٣». أما نقولا حداد فيتحدث عن الحضارة الأمريكية مقدما منها نماذج ذات دلالة.. فيقول: «سيدة غنية دفعت ألف ريال رسوما جمركية لملابس استوردتها من باريس، وسيدة أخرى أنفقت على ملابس كلبها ورياش غرفته نحو ألف جنيه» «نقولا الحداد- الاشتراكية».
وهكذا فإن هذه المجموعة من المفكرين العرب الذين كانوا شبه اشتراكيين قد تحولت خلال فترة بقائها فى المهجر إلى الاشتراكية الجادة من خلال طلائع النضال الاشتراكى الأمريكيين، وقد أقامت هذه المجموعة وخاصة نقولا حداد علاقات وثيقة مع أوجين دبس أحد مؤسسى الحزب الاشتراكى الأمريكى، وأوجين دبس «١٨٥٥- ١٩٢٦» هو واحد من أهم القادة البارزين فى الحركة العمالية الأمريكية، وقد اتخذ مواقف أممية شجاعة خلال الحرب العالمية الأولى، وعندما قامت ثورة أكتوبر وجه دبس تحية حارة إلى قادتها، كما شارك دبس فى تحرير المجلة الاشتراكية الأمريكية الشهيرة آنذاك «نداء إلى العقل»، وقد وجه لينين تحية حارة إلى دبس فى رسالته المعنونة «إلى العمال الأمريكيين» التى قال فيها إن «دبس من أخلص زعماء البروليتاريا الأمريكية. وإن دبس أكد أنه يفضل أن يعدم رميا بالرصاص على أن يمنح صوته فى الكونجرس بالموافقة على اعتمادات الحرب الراهنة، تلك الحرب الإجرامية والرجعية. ذلك أن دبس لا يعرف إلا حربا واحدة عادلة وشرعية ومقدسة من وجهة نظر البروليتاريا، وهى الحرب ضد الرأسماليين، أى الحرب من أجل تحرير الإنسانية من عبودية العمل المأجور. وأن قيام ويلسون زعيم أصحاب المليارات الأمريكيين بزج دبس فى السجن بعد أن طرده من البرلمان لا يدهشنى، لكن استبداد البرجوازيين بالعناصر الأممية المخلصة وبممثى البروليتاريا الثورية المخلصين لن يثمر شيئا». «لينين رسالة إلى العمال الأمريكيين- دار التقدم موسكو ١٩٦٨».
وقد اشترك دبس مع موريس هلكويت وفيكتور بيرجر فى تأسيس الحزب الاشتراكى الأمريكى عام ١٩٠١، كما تتلمذ نقولا أيضا على يدى هنرى جورج صاحب واحد من أشهر الكتب الاشتراكية فى ذلك الحين وهو «التقدم والفقر». وكان هنرى جورج أحد قادة حركة عمال المزارع التى شاركت فى انتخابات الكونجرس عام ١٨٧٨، وحصلت على مليون وخمسين ألف صوت. وهكذا عاد نقولا حداد متمتعا بفكر اشتراكى رصين. وغنى عن القول أنه خاض معركته متحصنا بالنفوذ الفكرى لفرح أنطون وإلى روز زوجته الحبيبة التى أهداها كتابه «علم الاجتماع» قائلا: «إلى روز شريكتى فى الحياة وفى الفكر أهدى هذا الكتاب». وإذا كان فرح أنطون قد تحصن بالانضمام لحزب الوفد وأصدر له جريدة «الأهالى» ثم جريدة «النظام»، وعندما توفى أنطون كان سعد منفيا فى جبل طارق، ومن هناك أرسل برقية عزاء إلى شقيقته روز قائلا: «حضرة السيدة الفاضلة روز حداد صاحبة مجلة السيدات والرجال بمصر.. لقد أحزننى خبر وفاة شقيقك الفاضل فرح أنطون فقد كان كاتبا مجيدا وله فى عالم الصحافة أثر محمود فأعزى فى فقده الفضل والأدب وأعزيكم وجميع أهله وذويه أحسن العزاء .. سعد زغلول». وقد نشرت جريدة «المحروسة» الوفدية هذه البرقية قائلة إن فرح أنطون «كان من كبار الكتاب السعديين وكان له فى خدمة القضية الوطنية آثار محمودة ومواقف مشهودة»، («المحروسة» ٢-٣-١٩٢٣)، أما روز فقد كانت هى أيضا وفدية. وعندما أعادت طبع مسرحية السلطان صلاح الدين التى كتبها فرح أنطون أهدت الرواية «إلى روح الوطنية المصرى.. إلى الرئيس العظيم سعد وكفى بسعد دلالة على النبل والوطنية والتضحية، ولو كان أخى فرح حيا لكان يقدم ولا شك هذه الرواية إليكم رمزا لاحترامه لشخصكم العظيم ولولائه للأمة المصرية النبيلة» «فرح أنطون السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم- الطبعة الثانية ١٩٢٣- ص٢».
لكن نقولا حداد لم يفعلها ولم يكن وفديا، وما أوردت ما سبق عن علاقة فرح روز بالوفد وبسعد إلا لأظهر الفارق بينهما وبين نقولا الذى ظل مشاركا معهما فى الكتابة كل فى طريقة، ولكن تجمعهم روح الوطنية المصرية والولاء للشعب المصرى ورفض الاحتلال البريطانى، وتفرقهما النزعة الاشتراكية الحاسمة التى تمنع على صاحبها من أن يكون وفديا. فقد استلهم نقولا فى كتاباته عن الاشتراكية ما تلقنه فى أمريكا وأيضا حركة الثورة المصرية التى تموج بنضالات عمالية وفلاحية. فكتب فى شجاعة وجرأة داعيا للاشتراكية ومهاجما فى عنف النظام الرأسمالى. وعندما انطلقت جموع العمال والفلاحين لتمارس الفعل الثورى إلى أقصى مداه ضد تحالف الثالوث الاحتلال- القصر الملكي- كبار الملاك العقاريين كان من الطبيعى أن تلهم المثقفين المصريين ذوى الاتجاه الاشتراكى القدرة على أن يرددوا أفكارهم بصوت مرتفع.. وكان صوت نقولا حداد هو الأعلى والأكثر عمقا والأكثر معرفة بمعنى الاشتراكية وبتعبيرها عن مصر الثورية.. فكان القائد فى هذا المجال.. وكانت كتاباته الاشتراكية الملهم لكثيرين. والآن لنستعرض بعضا مما عثرنا عليه من كتاباته عن الاشتراكية. ونواصل.