تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لماذا تقترن موجات التدين دائمًا في المجتمعات العربية بتفشي أمراض الكذب والفساد والرشوة والغش والهوس الجنسي؟ وهذه الأمراض، وغيرها، نقيض لكل ما تحمله تلك الموجات من ادعاءات خاصة بقيم المحافظة على التقاليد والعادات، والتعاليم الدينية الصريحة، التي تحرم -وبشكل قاطع- الكذب والرشوة وما إلى ذلك.
وبمعنى آخر: لماذا كلما ارتفعت موجات التدين اختل ميزان القيم وانهارت مفاهيمه في السلوك العام؟ بل لماذا كلما تمكن هؤلاء مدّعو التدين من حكم بلد من بلاد الله صار القتل واستباحة الدماء أمرًا شبه اعتيادي وسلوكًا ممنهجًا لهذه السلطة الدينية؟
المؤكد أن هذه التساؤلات ليست بجديدة، لكن، وعلى أية حال، من المهم طرحها بين الحين والحين؛ لأننا صرنا غارقين في بحر ظلمات الحكم الديني بكل تفاصيله البشعة، بل والوقحة.
قبل أيام كالت جماعة الإخوان المسلمين، وأذنابها من أحزاب الإسلام السياسي، الاتهامات لوثيقة مناهضة العنف ضد المرأة، الصادرة عن الأمم المتحدة، واعتبرتها منافية للتعاليم الدينية، ومتعارضة مع قيم وعادات وتقاليد مجتمعنا المصري المحافظ، بينما لم تشهد منظومة القيم انهيارًا وخللاً في مفاهيمها إلا مع تسلل وشيوع أفكار هذا النوع من التدين من خلال الزوايا الصغيرة، والمستوصفات، وبعض الكتاتيب، خلال العقود الستة الماضية.
وبقياس بسيط، أرى أنه يحتاج إلى دراسة متعمقة يقوم بها علماء الاجتماع والأنثروبيولوجي، كانت جرائم الرشوة والاختلاس والغش والفساد بشتى صوره، سواء في المصالح الحكومية وحتى دكان البقالة الصغير، في حدها الأدنى بمجتمعنا المصري حتى نهاية الستينيات، وربما منتصف سبعينيات القرن الماضي؛ حيث كانت أمي لا ترتدي الحجاب، رغم أن زوجها كان خريج جامعة الأزهر، ولم يجبرها يومًا على ارتداء غطاء الرأس، كانت تلك هي موضة العصر، كما أن الحجاب وتنويعاته المختلفة هو موضة هذا الزمان.
في تلك السنوات، التي أشعر أن المسافة بيننا وبينها قد أضحت وكأنها قرونًا، لم يكن الحجاب في الثقافة المصرية فرضًا، لكن كان الكذب جريمة، وكانت الرشوة خطيئة، وكان التحرش كبيرة لا يجترئ عليها إلا الفجرة.
وفي المقابل، وعندما شاع الحجاب، وانتشرت اللحى والجلاليب القصيرة، والسراويل الأفغانية، وامتلأت الزوايا بالمصلين، بل وانتشرت هذه الزوايا في أحياء جديدة كمدينة نصر؛ تخفيضًا لما يدفعه مالكو العمارات من ضرائب!!.. في هذا الزمن صار النقاب والحجاب فرضًا، وصارت اللحية سنة واجبة ومؤكدة، وأضحت “,”الزبيبة“,” علامة التدين، وفي نفس الوقت صار الكذب أمرًا مألوفًا، والرشوة حلالاً طالما دفعتها لأخذ حقي لا حق غيري! بل وتطورت “,”معاكسة“,” الفتيات إلى التحرش الجسدي، وجميع هؤلاء متدينون، ومصلون، بل ومؤيدون لشعارات الإسلام هو الحل!
نحن بحاجة ضرورية لدراسات اجتماعية ونفسية تفسر اقتران موجات التدين بشيوع الفساد وانهيار القيم، ولعلني أذكر في هذا السياق تصريح رندا الشامي للزميل محمد عبد اللطيف في جريدة صوت الأمة، أثناء محاكمتها في قضية المبيدات المسرطنة، والتي اقترنت بشائعات وجود علاقة خاصة تربطها برئيس بنك التنمية الزراعي وقتها، يوسف عبد الرحمن، حيث قالت الشامي إنها ربما تكون متورطة في قضية المبيدات المسرطنة، لكن المؤكد أنها ليست منحرفة جنسيًّا.
وهذا التصريح أكبر دليل على اختلال منظومة القيم. والسؤال: لو أن هذا النمط من التدين، الذي أشاعته تيارات الإسلام السياسي، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، كان صحيحًا وسليمًا؛ فلماذا إذن لم يستطع مقاومة هذا الخلل في القيم؟ لماذا صار المواطن يعتقد أن الأهم هو أن يؤدي الفروض والعبادات، وأن ترتدي نساء بيته الحجاب، فيما لا يجد أي غضاضة في أن يتلقى رشوة أو يدفعها؟ لماذا لم تنجح هذه القيم التي يتبنونها في أن تصل لجحافل المتحرشين؟
لقد أشاع هؤلاء -من محترفي صنعة الدين- الرذيلة، وهدموا كل قيمة، وهذا ما يعبر عنه الجميع بأزمة الضمير.. وفي رأيي المتواضع؛ فإن علماء الاجتماع والأنثروبيولوجي، الذين أدعوهم لدراسة هذه الظاهرة، سيجدون الإجابة عن تلك التساؤلات واضحة وصريحة في الطريقة التي تحكمنا بها قبيلة مرسي الكبيرة، التي تضم الإخوان والسلفيين والجهاديين والإرهابيين، وكل من هم على شاكلتهم؛ فالكذب هو المنهج الرئيسي لحكم مرسي، بل إنه يكاد يكون القيمة الوحيدة التي تحكم أداء جماعته، وهذا يجعلني أتوقع مستقبلاً مزدهرًا لشيطان الكذب في بلادي، فـ“,”إذا كان رب البيت في القول كاذبٌ.. فشيمة أهل البيت كلهم الكذبُ“,”.
وإذا كان الرسول الكريم قد نفى عن المسلم صفة الكذب بشكل قاطع عندما قال إن المسلم قد يقتل وقد يسرق وقد يزني لكنه أبدًا لا يكذب؛ فبأي أمارة يدّعي هؤلاء انتماءهم للإسلام أصلاً؟.
فلم يتصور رسولنا الكريم صفة الكذب في المسلم؛ لأنه كبيرة الكبائر، فالكذاب يأتي بأحقر الأمور دون أن يرف له جفن؛ فاذا قتل يقتل بدمٍ بارد، وها هو مرسي وعشيرته يفتتح عهد الحكم الإسلامي الرشيد بالتعذيب والقتل والدهس تحت عجلات داخلية محمد إبراهيم، دون رحمة أو شفقة، بل بتبجح وصفاقة.
حكم مرسي، الرئيس الملتحي، مؤذن المساجد، المصلي، يبيع مقدرات الاقتصاد المصري بـ“,”تراب الفلوس“,” لسادته القطريين، ويهيئ الأجواء لجعل كل الرغبات الأمريكية والإسرائيلية أوامر.. ولم لا؟.. فهم من جاءوا به إلى سدة الحكم.
أعلم أن في هذا الكلام قدرًا من الانفعال، وهو أيضًا تكرار لما نقوله جميعًا مذ جاء هذا الرجل، لكن يبقى أن أتساءل: كيف ستكون منظومة القيم وهؤلاء المفسدون يمتلكون مقاليد الأمور؟ ماذا سيتعلم أبناؤنا -إن قدر للإخوان الاستمرار في الحكم- والكتب الدراسية في مرحلة رياض الأطفال تهمل وتتجاهل قيم الصدق والأمانة والتسامح لتركز على اللحية والحجاب؟
أستطيع أن أتصور -ولو من باب الخيال- أن الاقتصاد المصري سيقوم على تجارة السلاح، وربما الحشيش، وعمالة الأطفال، والاتجار في النساء تحت دعاوى ملك اليمين.. لم لا، وأشباههم في أفغانستان كانوا ينفقون على الجهاد في سبيل الله من عوائد تجارة الأفيون وزراعة الخشخاش؟!
إن محترفي الدين لا يقدمون سوى الكذب والموت، هذا هو دأبهم في التاريخ الإنساني؛ لأنهم يعتقدون امتلاكهم الحقيقة المطلقة؛ ومن ثم فهم الأقرب إلى الله من بقية البشر؛ لذلك مات الضمير عندهم، وأوضح تعبير عن هذه الحالة قول محمد بديع: “,”إن الإخوان ماء السماء الطهور الذي سيغسل المصريين“,”، وفي المقابل مرسي يطلق أوامره الحاسمة والجازمة بالتصدي للمتظاهرين بالخرطوش والمدرعات والرصاص الحي؛ فدماؤهم ضرورة لاغتسال المحروسة من النجس، حتى تكون صالحة لإقامة شرع الله!!