الأربعاء 23 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مستقبل القضية الفلسطينية في مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هذا موضوع ربما يغيب عن كثير من الناس. وربما يكون الحديث فيه مبكرًا. لكني أرى أن هناك الآن على الأرض ما يجعلني أتحدث فيه على النحو الذي أراه صحيحًا.
القضية الفلسطينية مسألة تمشي مع مصر والمصريين منذ عام 1948، عام النكبة وإعلان دولة إسرائيل وهزيمة الجيوش العربية. وبسرعة، دون تفاصيل يعرفها كل شخص وُلد مع ثورة يوليو أو قبلها بقليل، كانت القضية الفلسطينية قدر المصريين الأكبر. وليس في هذا تفضلاً على الفلسطينيين؛ لأنه تاريخيًّا فالبوابة الشرقية منها يبدأ الأمان المصري. هذا من ناحية. من ناحية أخرى كانت فكرة القومية العربية كفيلة أن تضع قضية فلسطين في قلب الشأن المصري، خاصة أن من رفع شعار القومية سياسيًّا، بشكل فاق غيره، كان جمال عبد الناصر، الذي ترجم ذلك في عهده مرةً بالوحدة مع سوريا، ومرةً في حرب اليمن، وغير ذلك من مساعدات للقوى الثورية الناهضة في العالم العربي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
فرضت على مصر حروب عام 1956، وسببها المباشر كان تأميم قناة السويس، لكنها أيضًا كانت التجربة الأولى لإسرائيل: أن تخرج عن حدودها وتحتل أرض سيناء؛ في محاولة لتطويع الإرادة المصرية.
وفرضت على مصر حرب 1967 التي هُزمنا فيها حقًّا، وظلت مصر تعمل لإنهاء الاحتلال الصهيوني حتى قامت حرب أكتوبر العظيمة، وبعدها دخلت مصر في سلام مع إسرائيل، لكنها لم تتخلَّ عن القضية الفلسطينية.
فتح الرئيس السادات الطريق للتفاوض بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، لكن ظروف العالم العربي لم تساعد. ودخلت الدول العربية الكبرى، أو المحيطة بإسرائيل، في حرب سياسية مع السادات ومقاطعة. في الوقت الذي كانت منظمة التحرير الفلسطينية وظهور منظمة فتح تحقق وجودًا كبيرًا ومكاسب كبيرة في معركتها ضد العدو، وكل واحد في الدنيا يعرف قدر المساعدة المصرية لمنظمة فتح، رغم الخلافات التي نشبت بسب معاهدة السلام.
خلال تلك السنوات كلها لم تغب فلسطين عن الوعي الجمعي المصري ولا عن الضمير الجمعي للمصريين. ورغم التضييق بعد ذلك على الفلسطينيين، في عهد مبارك، فإن كل شخص يعرف أن الأنفاق –مثلاً- لم تغلق ولم تهدم وأقيمت في عهد مبارك.
تغيرت الظروف بالفلسطينيين، وظهرت منظمة حماس، التي بدورها أخذت طريق الكفاح المسلح، وكسبت أرضًا أكبر من منظمة فتح، رغم أن الكل يعرف أن بدايتها تمت بتشجيع إسرائيلي لإضعاف فتح يومًا ما وقسمة الفلسطينيين.
أعلنت حماس شعار الإسلام في مواجهة اليهودية، والدولة الإسلامية في مواجهة الدولة اليهودية. ولقد كتبت وقلت في إحدى الندوات في السبعينيات، قبل ظهور حماس، أن استدعاء اليهودية في الصراع العربي الإسرائيلي كفيل باستدعاء الدين الإسلامي بدوره؛ ومن ثم يمكن جدًّا أن تقوم دولة دينية إسلامية في مواجهة الدولة اليهودية. وهذا ما حدث بالضبط بعد عشرين عامًا من قيام حماس. صارت هناك إمارة إسلامية في غزة منقسمة على الضفة الشرقية وعلى فتح، ولا يهمها إلا التحقق الإسلامي.
صارت حماس بالانتخابات –بالصندوق- حاكمًا لغزة، وانتهت مدة الحكم لكن لم تسمح بانتخابات أخرى، وراحت تعمل وفقًا للفقه الوهابي والمتطرف في حكمها للفلسطينيين. لقد ترك الإسرائيليون غزة التي لم يعد لهم طاقة بحكمها؛ لازدحامها، وكثرة مشاكلها، وأيضًا لوجود المقاومة بها، ولا يجب أن نقلل من صدق بعض الكتائب في مواجهة إسرائيل.
حدثت ثورة يناير في مصر. واستجاب المجلس العسكري لرغبات الثورة والثوار، وفتح كل ما هو مغلق مع غزة من بوابات وغيره. وحضر قادتها، وبدا للجميع أن عهدًا جديدًا يقوم تصبح فيه القضية الفلسطينية شأنًا مصريًّا كما كانت. ثم جاء الإخوان المسلمون إلى الحكم، بالصندوق أيضًا. لاحظ ذلك! وتخلى الرئيس والإخوان طبعًا عن كل تعهداتهم للثورة والثوار الذين حملوهم إلى الحكم.
زار الرئيس غزة، وأوقف صواريخها على إسرائيل، وقام بتأمين إسرائيل من حماس، وصار المشروع الإسلامي هو الأهم لا فلسطين. هذا ما أرادته حماس من البداية، وها هي الدولة الكبرى مصر يحكمها من يريد ذلك.
والآن كل يوم نسمع عن إشاعات أو حقائق تقول إن هناك ميليشيات لحماس في مصر، وتسربًا لرجال حماس إلى مصر لحماية النظام الإخواني، وأن السجون فتحت أثناء الثورة بميليشيات حماس، وأن جنودنا في رفح قتلتهم ميليشيات حماس. لا يهمني نسبة الصحيح في ذلك أو الخطأ. ولا شك أن هناك ما هو صحيح.
ومن ثم راحت القضية الفلسطينية تبتعد عن الضمير المصري وتبتعد كل يوم. وآخرها زيارة وفد حماس لمقر الإخوان، وما جرى من هجوم إخواني على شباب الثورة الذين ذهبوا يرسمون الجرافيتي على الأرض. هذا الهجوم الذي اشترك فيه حارس من حراس خيرت الشاطر اسمه صهيب. ومن قبل قُبض على حارس لخيرت الشاطر من حماس! وسواء أكان صهيب مصريًّا أو فلسطينيًّا فاسم حماس يتردد في كل وقت.
إلى أين ينتهي هذا كله؟ ينتهي بفراق بين المصريين والقضية الفلسطينية. ولو أن القائمين على حماس لديهم ولاء للقضية الفلسطينية لأوقفوا تعاونهم مع النظام المصري، الذي تنتفض ضده ثورة في مصر، والذي يقتل من شبابها ويسحق من معارضيه كل يوم.
هل تدرك حماس ذلك؟ لن تدرك ذلك. هدفها الإمارة الإسلامية وليست فلسطين، وكذلك هدف النظام المصري. وحين يرحل هذا النظام ستكون قضية فلسطين ذكرى سيئة عند المصريين. أقول ذلك آسفًا.. لكنها الحقيقة.
[email protected]