لكل منا دور وبطبيعة الحال حياتنا تتكامل مع أدوارنا لتخلق منها حياة، كل منا يحاول أن يبدع فى دوره ليرى مردودًا على نفسه وبيته، وتختلف الأدوار للفرد نفسه حسب طبيعة وجوده، فدور الأب ببيته مختلف عن دور نفس الشخص فى عمله، ومسمى دوره يختلف باختلاف مكان تواجده. ودوره كأب يختلف عن دور الأم، ويختلف عنهما دور الأبناء، ولكن مع تكامل كل الأدوار تخلق الأسرة السعيدة، كما أن تضارب الأدوار يخلق أسرة غير مستقرة، ويمكن أن تصل لأن تكون أسرة تعيسة أو مفككة.
وإذا خرجنا بعدسة تصورنا للمشهد، نجد أن نفس الأفراد داخل الأسرة أصحاب أدوار أخرى خارجها، فالأب مثلا يحمل لقب موظف، وله دور داخل مجموعة، ولا بد أن يتكامل دوره مع زملائه لتنجح منظومة عمله، والأم داخل الأسرة إن كانت من النساء العاملات فهى تلقب بلقب الموظفة خارج الأسرة، وبدور آخر، والأبناء كذلك ما هم إلا طلاب علم بأدوار أخرى، وتتكامل الأدوار فى كل نطاق لتبنى حياة، والحياة إما أن تكون سعيدة أو تعيسة كالأسرة. وهنا يجب أن نركز فى نظرة كل منا، لا أدواره المتعددة، ومدى تكاملها مع أدوار الآخرين، لتخلق البيئة التى نبحث عنها، سواء داخل مجتمع يصنع منه وطنًا.
هناك البعض مما يرون أن أدوارهم ممتدة ومتشابكة مع أدوار الآخرين، فيبدأون فى التدخل فى أدوار الآخرين سواء بنية الإصلاح أو بأى نية تكمن فى قلوبهم.
ولكى لا نطيل فى شرح مفهوم الدور ومدى أهميته، ونلخص الموضوع برمته فى أنه لن ينصلح حال مجتمعنا إلا بالإخلاص فى دور كل منا لدوره، وتفاعله ليكمل ما هو موكل إليه، ليصنع خيطًا داخل منسوجه، قد تظهر بلون مبهج، وقد تظهر بلون قاتم، وللتكامل اليد العليا.
يُحكى أنّه حدثت مجاعة فى قرية، فطلب الوالى من أهل القرية طلبًا غريبًا فى محاولة منه لمواجهة خطر القحط والجوع، وأخبرهم بأنّه سيضع قِدرًا كبيرًا فى وسط القرية، وأنّه على كلّ رجل وامرأة أن يضع فى القِدر كوبًا من اللبن، بشرط أن يضع كلّ واحد الكوب لوحده من غير أن يشاهده أحد، هرع النّاس لتلبية طلب الوالي، وتخفّى كلّ منهم بالليل، وسكب ما فى الكوب الذى يخصّه، وفى الصّباح فتح الوالى القدر، وماذا شاهد؟ شاهد القدر وقد امتلأ بالماء! فسأل النّاس أين اللبن؟ ولماذا وضع كلّ واحد من الرّعية الماء بدلًا من اللبن؟ كلّ واحد من الرّعية قال فى نفسه: «إنّ وضعى لكوب واحد من الماء لن يؤثر على كمّية اللبن الكبيرة التى سيضعها أهل القرية»، وكلّ منهم اعتمد على غيره، وكلّ منهم فكّر بالطّريقة نفسها التى فكّر بها أخوه، وظنّ أنّه هو الوحيد الذى سكب ماءً بدلًا من اللبن، والنّتيجة التى حدثت أنّ الجوع عمّ هذه القرية، ومات الكثيرون منهم، ولم يجدوا ما يُعينهم وقت الأزمات.