"المواطنة" عنوان المؤتمر الذي انطلقت أعماله اليوم بقيادة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ومنذ أن تم الإعلان عن المؤتمر وتدور في ذهني أسئلة شتى أولها عنوان المؤتمر، وبحكم قراءاتي المتعددة في مناهج النقد الأدبي وتحليل الخطاب، والتي تؤكد على أن عنوان العمل الأدبي يعد عتبة مهمة للولوج إلى النص، فقد شغلني عنوان المؤتمر كثيرًا، وفجر العديد من الأسئلة والتي في مقدمتها سؤال العنوان "هل تعرف مؤسسة الأزهر معنى مفهوم المواطنة ومقوماتها وعناصرها الأساسية؟ وإذا كانت تعرف فهل يتخلى الأزهر عن أيديولوجيته الأشعرية التي تؤسس للاستبداد في سبيل إعلاء قيم المواطنة وتفعيل آلياتها في المجتمع المصري؟
وأين كان الأزهر ومفهومه للمواطنة من تهجير أسر مسيحية من العامرية والمنيا وغيرها تحت حكم الجلسات العرفية وغياب القانون؟
مفهوم المواطنة يا شيخ الأزهر يعني الفرد الذي يتمتع بعضوية بلد ما، ويستحق بذلك ما ترتبه تلك العضوية من امتيازات، وفي معناها السياسي، تُشير المواطنة إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها، والالتزامات التي تفرضها عليه، أو قد تعني مشاركة الفرد في أمور وطنه، وما يشعره بالانتماء إليه، ومن المنظور الاقتصادي الاجتماعي، يُقصد بالمواطنة إشباع الحاجات الأساسية للأفراد، بحيث لا تشغلهم هموم الذات عن أمور الصالح العام، وفضلًا عن التفاف الناس حول مصالح وغايات مشتركة، بما يؤسس للتعاون والتكامل والعمل الجماعي المشترك.
فهل يستطيع الأزهر في ظل هذا المفهوم أن يوافق على تولي مسيحي رئاسة الدولة أو تولى امرأة رئاسة الدولة؟ وطبقا لهذا المفهوم هل يستطيع الأزهر والمؤسسة الدينية في مصر سواء كانت مسيحية أو إسلامية حل إشكاليات الزواج والطلاق طبقا للقانون الوضعي أم أنه سوف يظل قانون الأحوال الشخصية مرتبطا بديانة الفرد بعيدا عن منظومة القانون، وهل يتم توحيد المنظومة التعليمية وأن لا يكون هناك تمييزا للمسيحي بمنعه من تلقي التعليم في جامعة الأزهر؟
تتكون المواطنة من ثلاثة عناصر أساسية، هي:
العنصر المدني
ويتضمن الحرية الفردية، وحرية التعبير والاعتقاد والإيمان، وحق التملك، والحق في العدالة، وتحقيق العنصر المدني في المواطنة في المؤسسات القضائية، فهل يوافق الأزهر والكنيسة من خلال هذا المؤتمر بحرية التعبير في ظل وجود قانون ازدراء الأديان المسلط على كل من يحاول الاجتهاد والتفكير من طه حسين وعلي عبدالرازق إلى إسلام البحيري ومحمد عبدالله نصر مرورا بنصر حامد أبو زيد وفرج فودة وغيرهم؟
وهل يوافق الأزهر والكنيسة طبقا لمفهوم المواطنة على انتقال أحد الأفراد من ديانة إلى أخرى دون المعاقبة بحد الردة والتكفير والقتل؟
العنصر السياسي
يعني الحق في المشاركة في الحياة السياسية بوصف المواطن عنصرًا فاعلًا في السلطة السياسية، من خلال البرلمان.
العنصر الاجتماعي
يعني تمتع المواطن بخدمات الرفاهية الاجتماعية وإشباع حقوقه الاقتصادية، والتي تتضمن التعليم، وحسن الرعاية الصحية، على سبيل المثال لا الحصر، ولهذا يُقال عن كل كائن بشري أنه يتمتع بالمواطنة، إذا كان يتمتع بخصائص اجتماعية معينة، لها معناها السياسي المعتد به قانونًا، مثل الحقوق والواجبات، والالتزامات، والحرية في اتخاذ القرارات، التي تمثل شأنًا يتصل بمصلحته الخاصة، وفي المشاركة في المصالح العامة، وكذلك المشاركة في المجتمع المدني، ويُصطلح على تسمية هذه المواطنة "بالمواطنة الأساسية أو الفعلية"، وذلك في مقابل التمتع بالمواطنة الرسمية، وهو المصطلح الذي أصبح من المعتاد في هذا العصر أن يقتصر معناه على كون الفرد عضوًا في دولة قومية.
ويقتضي تمتع الفرد بالمواطنة في معناها الأول، أن يشكل هذا الفرد جزءًا من كيان سياسي اجتماعي، وأن تلك الحقوق والواجبات وغيرها من الأمور، التي من حق الفرد، أن يحوزها في صورتها الحسية الملموسة (بالإنجليزية: Concrete)، وكذلك في صورتها المعنوية، استنادًا إلى كونه عضواً في هذا الكيان، ولا تكون صفة المواطنة إلا لمن يكون -طبقًا للدستور والقانون- له الحق في المشاركة في حكم بلاده، من خلال مؤسسات الحكم السياسية والقانونية والدستورية، أما الأفراد المقيمون على أرض ويُجبرون على الانصياع للأوامر الصادرة إليهم دون أن يسهموا، بشكل ما، في إعدادها أو إصدارها، مثل الأجانب، مع إمكانية تمتعهم بالحقوق المدنية، فهذه الفئة لا يعدون مواطنين، أي أعضاء أصلًا في الجماعة السياسية يسهمون في توجيه حياتها، ويعد وعي الإنسان بأنه مواطن أصيل في بلاده وعي أصيل بالمواطنة وبأنه ليس فقط مُقيمًا يخضع لنظام معين، دون أن يشارك في صنع القرارات داخل هذا النظام.
يُعد هذا الوعي بالمواطنة نقطة البدء الأساسية في تشكيل نظرة الفرد إلى نفسه، وإلى بلاده، وإلى شركائه في صفة المواطنة، وعلى أساس هذه المشاركة يكون الانتماء إلى الوطن، ومن خلال المشاركة تأتي المساواة، فلكل مواطن الحقوق نفسها وعليه الواجبات ذاتها، فلصفة المواطن ثلاثة أركان: الانتماء للأرض، والمشاركة، والمساواة أي الندية.
ومن ثم يأتي جهد الشخص في إطار الجماعة السياسية لممارسة صفة المواطنة، والتمسك بها، والدفاع عنها وحينما تنجح الجماعة في استخلاص حقوق الوطن والمواطن، تظهر اللحظة الدستورية فتتحول الأرض إلى وطن، والإنسان الذي يحيا عليها ويشارك في صياغة حياتها إلى مواطن. وعلى ذلك فالوطن هو ما يؤسس فكرة المواطن، وثم من بعدها فكرة المواطنة، فالمواطنة في حقيقته التامة الجماعة الوطنية التي تستكمل التعبير عن شخصيتها وإرادتها بالدولة الواحدة المستقلة، والمواطن في حقيقته التامة هو الفرد بوصفه عضوًا بالفعل في دولة وطنية، وهنا يجب التمييز بين الوطنية والمواطنة.
هل يستطيع هذا المؤتمر تفعيل المواطنة الحقيقية رغم أن القائمين عليه لا يؤمنون بالمواطنة؟