أين اختفت أحزاب المعارضة في مصر، لا أحد يسمع عنها، ولا أحد يتابع، صارت مهمشة، التجربة بدأها السادات في السبعينات بفاعلية محدودة وتمددت في نظام مبارك في صورة 23 حزبا كان أبرزها " الوطني والوفد والتجمع والناصري "، فيما انكمشت وتقلصت وإن زاد عددها بعد 25 يناير، الاحصائيات تقول إن اكثر من 120 حزبا على الساحة الان، بينها 5: 7 احزاب بارزة بحكم خلافاتها الداخلية مثل " المصريين الاحرار، حزب الدستور، والمصري الديموقراطي والوفد " والباقي في الظل وفي تعداد " اللاوجود "، لا دور "على الساحة "، ولا حراك، ولا هدف تنومي أو غير تنموي، ووجودها لا يخرج عن اسم ومقر ولافتة.
بعد ثورة 25 يناير ظهر تلك الاحزاب بكثافة وهو الأمر الذي كان له صدى كبيرا في تلك المرحلة التي خرجت فيها الكثير من أصوات الساسة لتؤكد على أن وجود الأحزاب السياسية مناخ صحي ضروي لوجود مناخ ديمقراطي.
ورغم وصول عدد الاحزاب المصرية على الساحة إلى هذا العدد الكبير، إلا إن المشاكل والخلافات والصراعات ظلت تشكل السمات العام لها يتصدر القائمة، حزب المصريين الأحرار، الذي كان يعد من أكبر الأحزاب السياسية التي كان يعقد عليه العزم خلال الفترة الماضية للعب دور على الساحة، لكن لم يتحقق شىء رغم انه نفس الحزب الذي يحظى بأكبر تمثيل برلماني يصل إلى 65 نائبا وعضوا للحزب في مجلس الشعب.
هنا يقول الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، إن الأحزاب السياسية دورها ضعيف في مصر ويرجع ذلك لأنها محدودة الاحتكاك بالشارع والتعامل مع المواطنين ولا تقوم بمناقشة مشاكلهم بشكل مجتمعي يسمح بأن تبحث عن حلول تلك المشكلات وتقدم الحلول وتعرضها للبرلمان والحكومة.
وتابع مهران، لو أن الأحزاب مؤثرة وقادرة على طرح رؤية اقتصادية لكان أولى بها أن توضح أو تضع رؤية سياسية للخروج من عنق الزجاجة التي تعيش بها الدولة حاليا ولكنها لم تقدم أي رؤية لحلها، متسائلا: متى كانت الأحزاب السياسية فعالة ومؤثرة في الشارع المصري فيكون لها دور في مواجهة الارهاب من خلال نشر الثقافة والوعي السياسي والديني والإجتماعي ولكن هذا أيضا غير موجود "، مشيرا إلى أن كل دور الأحزاب السياسية يأتى خلال فترة الإنتخابات فهي تحاول أن تحشد أكبر عدد من الأصوات لها ولكن لا وجود يذكر لدورها بالصورة المتوقعة والمطلوبة.
وأكد مهران على أنه على الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني دور مهم في تربية الشباب وغرس روح الوطنية داخل نفوسهم وترسيخ مبدأ المواطنة ونبذ الارهاب والعنف والتطرف من خلال مجموعة من الندوات الثفافية والعلمية التي تعبر عن هوية الحزب وأهمية دوره في حماية الأمن والمجتمع.
ولفت مهران إلى أنه بسبب الانظمة المتعاقبة في مصر اندثرت الأحزاب السياسية وتحولت إلى أحزاب كارتونية تسبح بعيدا عن المعارضة والنتيجة، غلب عليها طابع الحزب الواحد، لافتا إلى أن الثقافة المصرية للأسف فشلت في وضع معنى للمعارضة.
وأكد أن عدم وجود رؤية سياسية لتلك الأحزاب أو دور مجتمعي فعال داخل المجتمع المصري وفشل تلك الأحزاب أن تعبر عن فكرها الاجتماعي والاقتصادي والتعامل الأمني مع هذه الأحزاب خلال السنوات الماضية ترك أثرا نفسيا داخل نفوس الناس بأن أي حزب سياسي غير الحزب الحاكم هو ورم يجب استئصاله او تثبيطه من خلال تهميش دور الاحزاب وإنكار وجودها.
وقال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن كل الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة السياسية دورها متدنٍ وتعاني من غياب الرؤية والتصرف تجاه المشهد السياسي، في وقت يحتاج فيه الشارع المصري إلى برامج تعبر عنها تلك الاحزاب السياسية لخدمة الجماهير مستنكرا غياب أي دور للأحزاب في الوقت الحالي.
ولفت فهمي إلى أن الأحزاب السياسية والتي يقدر عددها في مصر بحوالي 106 أحزاب سياسية ويردد البعض انها تزيد على 120 حزبا، من المفترض أن دورها الحقيقي يتعلق بسعيها نحو السلطة وحول برنامج سياسيا تعده ولكن للأسف فلا وجود لذلك حيث إن الأحزاب السياسية الحالية تنصرف إلى الانشقاقات والخلافات التي داخلها، كما أن هناك تشابها وشخصنة للأحزاب حيث يتم اختزال الحزب كله في شخصية واحدة، كما لا توجد رؤية أو قواعد جماهيرية وعدم حضور للحزب بالمحافظات.
وأشار فهمي إلى أن مشكلة تمويل الأحزاب من المشاكل الأساسية التي تعاني منها الأحزاب السياسية خلال الوقت الحالي حيث ترى بعض الأحزاب ضرورة أن يكون هناك تمويل مستقل لها في حين أن سماح الدولة لرجال الأعمال بانشاء الأحزاب السياسية وتدخلهم في التمويل يفتح الباب أمام التحكم في سياسات الأحزاب السياسية كما حدث ويحدث مع حزب المصريين الأحرار.
وشدد فهمي على أن الأحزاب السياسية في مصر تحتاج إلى مراجعة نفسها لافتا إلى أنه على سبيل المثال لماذا لا تتجه الأحزاب السياسية ذات المرجعية الواحدة للإندماج أو الإتحاد أو الإئتلاف فالمواطن لا يعرف إلا 5 أو 6 أحزاب سياسية فقط وهو ما يجعل ضرورة وحاجة إلى وجود تلك الإتحادات الحزبية كما في تجربة حزب الجبهة.
ولفت إلى أن العلاج يتمثل في أن تتحدد مهام مؤسسات الأحزاب كما هو معلوم، بحيث يكون هناك دور محدد لرئيس الحزب ودور للهيئة العليا ودور للأمانات الأساسية والفرعية بالمحافظات، ومن ثم العمل على معالجة الأمور، أما عدم تنفيذ ذلك فهو أمر يؤدي إلى استمرار تلك الأمراض الحزبية مثل الانشقاقات وغياب الرؤية.