الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

غيبوبة "المجالس القومية".. خبراء: مجرد "سبوبة" لإهدار المال العام.. والحكومات تجامل بها المستبعدين سياسيًا.. وكمال الشاذلي تسبب في "وفاتها".. وانعدام الرقابة وراء تهميشها

خبراء يتحدثون عن
خبراء يتحدثون عن "المجالس القومية"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

المجالس القومية في مصر كثيرة ومتعددة منها الشباب وحقوق الإنسان والمرأة وشئون الإعاقة الطفولة والأمومة والصحة النفسية والأجور والسلامة على الطرق والإسكان وغيرها، أنشئت في بداية عقد السبعينات وتمر مصر بمشاكل عديدة في كافة المجالات ولم نرى أي من هذه المجالس قد تقدم بمقترحات أو تدخل لحل هذه المشاكل إلا أننا لا نجد سوى قيامها بمؤتمرات وندوات واجتماعات تهدر المال العام، فكيف أنشئت هذه المجالس وما الغرض من إنشائها؟ وكيف يتم اختيار أعضائها كل دورة؟ ومن يشرف عليها؟ وهل هي تابعة للوزارات أم مستقلة؟ وما حجم نفقاتها ومصدر تمويلها وهل يخضع للمراقبة؟.


وفي هذا السياق يقول الدكتور عادل عامر، أستاذ القانون العام، مدير مركز المصريين للدراسات القانونية والاقتصادية والسياسية، إن فكرة المجالس القومية جاءت في دستور 1971 وهي فكرة من النظام الاشتراكي القديم كان غرضها تجميع الشباب لاحتوائهم لتأييد النظام وقتها، وللأسف انتقلت هذه الفكرة إلى دستور 2014 ولازالت المجالس موجودة به، موضحًا أن المجالس القومية من المفروض أنها مجالس استشارية تضم خبراء لتقديم أفكارهم حول المشاكل الاجتماعية المختلفة كل على حسب اختصاصه بدون مقابل مادى، مضيفًا أنه إذا كانت هذه المجالس ينفق عليها من أبواب خلفية فهذا نوع من أنواع الفساد يجب إلغاؤه فورًا من خلال مجلس النواب، وذلك بإصدار قانون موحد للصناديق الخاصة يكون تحت بصر ورؤية البرلمان وانضمامها للموازنة العامة للدولة وأن تكون هذه اللجان الاستشارية لجانًا تعمل مثل منظمات المجتمع المدني بدون مقابل.

وأضاف أن أعضاء هذه المجالس يتم اختيارهم من الموالين للحكومة، ولم تقم بدورها كما ينبغي بدليل أننا لا نشعر بوجودها في حل المشاكل في المجتمع ولازالت المشاكل كما هي، ولم يعلن من قبل ما قامت به هذه المجالس من إنجازات في حل مشاكل التعليم والصحة والإسكان والعشوائيات أو الجامعات أو غيرها.


وأشار أشرف الليثي، الخبير في التنظيم والإدارة، إلى أن المجالس القومية المتخصصة تعتبر بمثابة هيئات استشارية متخصصة ذات طابع علمي يعمل كل منها في مجال محدد وتتبع مباشرة رئيس الجمهورية وتعاونه في رسم السياسة العامة للدولة، مضيفًا أن هذه المجالس تعتبر جزء من السلطة التنفيذية في ضوء ما ورد بالدستور حيث قسم السلطة التنفيذية إلى 4 أقسام وهي "رئيس الجمهورية، الحكومة، الإدارة المحلية، المجالس القومية المتخصصة"، مضيفًا أن فكرة إنشائها ترجع إلى عهد الرئيس عبد الناصر في عام ١٩٦٨ خلال بيانه عند الحديث عن دور العلم في بناء الدولة الحقيقة، وخلال عهد الرئيس السادات تحولت الفكرة إلى نص دستوري عام ١٩٧١ ثم جاء القرار الجمهوري رقم ٢٤١٨ لسنة ١٩٧١ بإنشاء المجالس القومية المتخصصة ولكن لم تصدر قرارات بتشكيل أي من هذه المجالس في حينه، بينما في العام ١٩٧٤ صدر قرار جمهوري رقم ٦١٥ لسنة ١٩٧٤ بإنشاء ٤ مجالس وهى "المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا، المجلس القومي للإنتاج والشئون الاقتصادية، المجلس القومي للثقافة والفنون والآداب والإعلام، المجلس القومي للخدمات والتنمية الاجتماعية.

وأضاف الليثي، أنه في عام ١٩٩٦ صدر القرار الجمهوري رقم ٤ لسنة ١٩٩٦ والذى أعاد تنظيم المجالس القومية المتخصصة فنص في مادته الأولى "تتبع المجالس رئيس الجمهورية مباشرة وتتولى المعاونة في رسم السياسة العامة للدولة في جميع المجالات والنشاط القومي وفى وضع الخطط المستقرة طويلة المدى عن طريق حصر الإمكانيات الذاتية واستغلال الطاقات المتاحة بالدولة وترشيدها لتحقيق الأهداف المطلوبة في كافة مجالات العمل الوطني"، وفى ضوء ما جاء بنص المادة ٢١٤ من دستورية ٢٠١٤ "تتمتع تلك المجالس بالشخصية الاعتيادية والاستقلال الفني والمالي والإداري ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بها وبمجال عملها، وفى عام ٢٠١٥ صدر القرار الجمهوري رقم ٦٠ والمتضمن إنشاء ٤ مجالس تخصصية جديدة وهى "المجلس التخصصي التنمية المجتمع، المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي، المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية، المجلس التخصصي للسياسية الخارجية والأمن القومي"، موضحًا أنه بالرغم من إيجابية الفكرة عند بدء التطبيق في عهد عبد الناصر بغرض تقديم المساندة والخبرات الحقيقة والرؤى الداعمة على أساس علمي ممنهج يساعد في اتخاذ القرار من النخبة العلمية والعلماء ولكنها وصلت لمرحلة من السلبية خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحت مجرد وجاهة اجتماعية لبعض من تم استبعادهم من المشهد السياسي خاصة الوزراء وتحولت الفكرة إلى ديكور مكمل للمشهد فقط، وقد وصل الأمر بها إلى مرحلة الوفاة بعد تولى رئاستها الوزير السابق كمال الشاذلي.

تابع الليثي أنه بالرغم من أنه وصل عدد الأبحاث والإسهامات التي تم إعدادها من جانب تلك المجالس من بداية تأسيسها إلى ما يقرب من ١٦٥٠٠ دراسة بحثية في مجالات متنوعة شملت مجالات العمل العام والسياسة العامة للدولة ولكن المشاهد يستشعر أن هناك حالة من الإهمال الحقيقي من جانب أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية لما تصدره هذه المجالس من دراسات ومقترحات لها من الأهمية التي تستهدف معالجة بعض المشكلات القائمة بالفعل مما أدى إلى حدوث حالة من الإحباط لدى البعض من العلماء والخبراء والمتخصصين؛ لأن كل مجهود يبذل من جانبهم يذهب سدى ويكون حبيس الأدراج، وما يؤخذ على هذه المجالس هو غيابها في مناقشة التشريعات قبل صدورها وعلى سبيل المثال صدور قانون الخدمة المدنية والذى جاء بديلا لقانون العاملين المدنيين بالدولة رقم ٤٧ وبالرغم من وجود المجلس القومي للأجور ولكن يؤخذ عليه أن رئيس المجلس هو نفسه الوزير المختص بوضع القانون، وهذا يمثل تناقض وكيف ذلك وهذا الأمر لا يستوي ولا يستقيم لأنه من المفترض أن المجالس لها شخصية اعتبارية مستقلة.

وأوضح الخبير في التنظيم والإدارة، أنه أحيانا أخرى نجد مجالس لم تحرك ساكن مثل المجلس القومي للسلامة على الطرق بالرغم من مئات الحوادث التي تشهدها الطرق في مختلف المحافظات ولم نسمع عن أي دور أو رؤية حول هذه الأزمة، ومن أهم سلبيات المجالس القومية هو غياب التنسيق بينها وكأنها في جزر منعزلة في رسم السياسة العامة للدولة، كما أنها أصبحت واجهة اجتماعية من خلال الشو الإعلامي الذي يسلط الضوء على إنجازاتهم الوهمية التي تتمثل في الندوات والمؤتمرات في الفنادق الكبرى بعيدا عن الواقع ومحاولة البحث عن حلول موضوعية للأزمات قبل وقوعها، مضيفا أنه قد سبق له المشاركة في ورشة عمل نظمها مركز المحروسة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لمناقشة هذا الموضوع والخروج بتوصيات هامة لتفعيل دور المجالس القومية المتخصصة وتغيير الواقع السلبي إلى المأمول الإيجابي ولكن كالعادة لم يحدث جديد للأسف.


ومن ناحية الإنفاق على هذه المجالس، قال الدكتور مجدى عبد الفتاح، مدير مركز البيت العربي للبحوث والدراسات: إن عدم معرفة المواطنين بهذه المجالس يرون أنها لا تقوم بدورها باستثناء بعض المجالس كالقومي لحقوق الإنسان وشئون الإعاقة لشغلهم على أرض الواقع، مضيفا أن المجالس القومية في مصر بشكل عام تمر بأزمة لأنها غير مستقلة، وكل مجلس تابع لإحدى الوزارات فمجلس شئون الإعاقة تابع لوزارة التضامن ومجلس الشباب يتبع وزارة الشباب، وهكذا ما يفقد فكرة إقامة المجلس كشكل من الأشكال المدنية للدفاع عن حقوق الفئة التي أنشئ من أجلها ولكن هذا لا يحدث لأن أعضاءه يتم اختيارهم بالتعيين.

وأضاف عبد الفتاح، أن تبعية المجالس للوزارات لن يضيف أي فائدة إلا أنه يعتبر فرع آخر للوزارة التابع لها وهو يعد بيروقراطية، وبالتالي فهذه المجالس لا تؤدي دورها كما ينبغي، وأعضاء هذه المجالس عبارة عن موظفين تابعين للوزارة التي عينتهم ولا يقومون بعملهم، وهذا يعد إهدارا لحقوق الفئات التي أنشأ المجلس من أجلهم إضافة إلى أن هذا المجلس الذى من المفترض أن يخرج منه قرارات تمثل الفئات الضعيفة، فهو بالتالي ينحاز لاختيارات الحكومة ويوافق عليها، موضحًا أنه من المفترض أن يكون المجلس معبرًا عن الناس وليس ضدهم.

تابع عبد الفتاح أن المجالس في مصر في حاجة لإعادة هيكلة بحيث تكون مستقلة أولا وتلعب دورًا يشارك فيه أصحاب المصلحة المباشرة ويحددوا أولياتهم ويضعوا أجنداتهم ثم يقدموها للحكومة، مضيفًا أن اختيار أعضاء المجالس القومية يأتي بترشيح الوزراء عدد من الشخصيات العامة وبالتالي سيكون انتماء هؤلاء الأشخاص لقرارات الحكومة وهذا سيؤثر جدًا في شكل القوانين التي تخرجها هذه المجالس.

متابعًا: إن أغلب النفقات التي تنفقها المجالس القومية تعد نوعا من إهدار المال العام ولا بد من مراجعة شكل ونفقات هذه المجالس.

وقال عبد الرحمن حسن، الخبير في الإدارة المحلية، إن أغلب المجالس القومية تنفق أموال الدولة في غير محلها حتى ما تنتجه بعض المجالس من دراسات وبحوث لم تكن بالقدر الكافي لمساعدة الدولة في حل المشاكل، ولكن هناك بعض المجالس لها شغل جيد كالمجلس القومي للشباب، وحقوق الإنسان، وشئون الإعاقة، لكن الباقي كالمجلس القومي للمرأة مثلًا به مجموعة من السيدات يقيمون مؤتمرات كحلقات السمر ولن نرى لهم دور في دعم المرأة وحقوقها ويقتصر دورهم على المداخلات الهاتفية في البرامج ولم يقوموا بدورهم بشكل جيد، وإذا سألنا المواطنين عن المجالس القومية لن تجد أحد يعرفها، أغلب المجالس القومية لا يعرفها حتى كثير من السياسيين في مصر وتنفق أموالا طائلة على أنشطة وطاقم العاملين بها والمستشارين وخلافه وهو يعد نوعًا من إهدار المال العام، خاصة في ظل وجود قانون الخدمة المدنية الذى يدعم الرقابة الإدارية وتوقف النفقات المالية التي تنفق في غير محلها.

وطالب حسن بوقف إنفاق الأموال على هذه المجالس، متسائلًا: هل هناك هيئات تراقب وتحاسب المجالس القومية في مصر؟، مضيفًا أنه كان يجب سن قوانين تنظم عمل المجالس القومية بشكل كامل لتحديد عملها بالضبط وأن يؤخذ في الحسبان الحفاظ على المال العام بها، مشيرًا إلى أننا لدينا 35 حقيبة وزارة أمامها أعداد مماثلة تقريبًا من المجالس القومية وأغلب اختصاصات هذه المجالس متداخل مع عمل الوزارات فلدينا وزارة الشباب وأيضًا المجلس القومي للشباب وأيضًا المجلس القومي لحقوق الإنسان وأيضًا وزارة العدالة الانتقالية وهكذا فتعدد المجالس أمر غير مرغوب فيها ويشتت المواطنين ويزيد من أوجه الإنفاق المالي ويزيد من الأجور والمؤتمرات وغيرها، والأفضل تشكيل مجالس قومية لحل أزمات وقتية فقط كإدارة الأزمات ولكن توزيع اهتمامات واختصاصات على مجالس قومية فيه نوع من الخلل في توزيع السلطة.