تربع على عرش الساحة النقدية بالمغرب، واحد من عاشقي الهوى المصرى وثقافته التي يدافع عنها باستماتة في جميع مجالسه الأدبية، ولم يكتفِ بذلك بل ذهب ليجمع آراء الناس عن مصر التي عشقها منذ صغره وكان يجتهد فى دراسته حتى يحقق حلم الوصول إليها، ويضعها في كتابه الأهم "الهوى المصرى بخيال المغاربة".. إنه الناقد المغربي محمد مشبال.
في البداية قال الناقد المغربي الدكتور محمد مشبال: إن ما يجب أن يفهمه المصريون هو أن تألق مثقفيهم وعلمائهم وشيوخهم ومطربيهم وفنانيهم وروائي وكتابهم على طول فترة ممتدة من العشرينات حتي الستينيات هو ما صنع ثقافة ووجدان المغاربة من خلال متابعتهم للثقافة المصرية المتمثلة في الأعمال الأدبية والدراما والسينما، والذي جعل منها محلا في جميع بيوت ووجدان المغاربة والعرب أجمع، فكان عندما يريد أحد أن يتغزل في فتاة يقول لها "إنكِ تشبهين هدى سلطان" فكانت الشخصيات المصرية تشكل نموذجا محتذى يتطلع إليه الناس.
وأضاف أن ما زرعته الثقافة المصرية التي كان لها جمالها الخاص داخله جعلته مجتهدا بالدراسة والقراءة حتي يستطيع الذهاب إلى مصر كما اجتهد قبله أعمامه، حتى حققوا حلم الوصول إلى أرض الثقافة والمعرفة التي استطاع أدباؤها ومثقفوها أن يزينوا قبحها في عيون المتطلعين إليها ويجعلوه لهم حلم يسعون للوصول إليه، مشيرًا إلى أن والده كان دائما ما يحفزه بمقوله "اجتهد واقرا حتى تذهب إلى مصر"، فكانت له بمثابة الإجازة الصيفية التي يسعى الأطفال للوصول إليها لكي يتنزهوا ويلعبوا ويفرغوا كل مالديهم من طاقات اختزنوها طيلة فترة دراستهم.
وأكد أن للثقافة المصرية دورا خطيرا في تشكيل الوعي العربي بأثره، وخاصة أهل المغرب الذين يعشقون تراب مصر وينجذبون لها بشكل كبير بالرغم من أن البعض يحسب المغرب على أوروبا كونها تأثرت بالعديد من الثقافات الأوروبية، حتى أن اللغه المغربية عادة ما بتسلل إليها بعد المصطلحات العامية المصرية، وهو ما يدل على قوة الثقافة المصرية بزمن ما، والتي لا نستطيع مقارنة قوة تاثير الثقافة المصرية الأن بالفترات السابقة، لإصابتها ببعض الضعف الذي جعلها غير قادرة على المنافسة.
وأشار إلى أن مصر لولا ثقافتها لظلت مكانًا لا يسمع عنها المغاربة سوى بمباريات كرة القدم أو باشتراكها بثورات الربيع العربي، ولكن ما تضمنته من ثراء أدبي جعلها مقصد لكثير من الشعوب وجعلتها تترك أثرها بوجدان وتصرفات وكلمات الشعوب العربية، مضيفًا أن من شدة تأثره بتلك الثقافة صمم ديكور بيته على الطراز المصري القديم، وانه دائما ما ينتظر صديقه المصري ليزور المغرب ليجلب له القهوة المصرية التي يعشق أن يصنعها بس بيته وينثر ريحتها بأرجاء منزله حتي يشم رائحة مصر بها، وكانه جالس بمقهي شعبي بخان الخليلي.
وأشار إلى أن العامل البشري بمصر هو من له السحر الأكبر في جذب الناس إليها، فرغم مرور مصر بالعديد من الظروف السياسية والاقتصادية التي نالت من خصائصها ونظافتها التي جعلت البعض ينفر منها ويرتاب من المجيء لها، إلا أنها لم تنل من شعبه ذو القلب الطيب وميله للضحك والفكاهة، وتابع:: "والله لو كنا تعرضنا لتلك الظروف التي مرت بها مصر لما استطعنا الصمود مثلكم"، مؤكدا أن للمصريين طاقة من التحمل والاحتيال على الأزمات بطرق مبتكرة.
وأوضح أن الإعلام المصري له دور كبير في إفساد الروح الطيبة للمصرين ونقلهم لأماكن العشوائيات والمظاهر العنيفة وغيره، جعل الكثير من الناس ينفرون منها، ويفضلون الذهاب إلى تركيا أو أي من البلاد الأوروبية، لأنها استطاعت أن تنقل صورة مشرفة عن بلدهم تجعلها مقصد الكثير من الناس ليحصلون على حقهم من المتعة، رغم أنه يمكن أن تكون بمصر العديد من المظاهر الطبية الجذابة ولكن الإعلام عمل على تشويهها والتضليل عنها وتصدير الصور المسيئة فحسب.
وأشار إلى أن السبب الحقيقي وراء تراجع التعليم بمصر هو ثبات المناهج التعليمية بالرغم من ما مر على العالم من تقدم كبير وتطورات أحدثت تغيرات جذرية لم تدرج إلى تلك المناهج، كما يعود تلك التراجع إلى عدم سعي الشباب إلى الذهاب لبعثات علمية بالخارج كما كانوا يفعلون سابقًا، لما لها من أهمية كبيرة للاستفادة من نجاح وتقدم الثقفات الأخري والعمل على تطبيقها بمصر، موصيًا بضرورة تبادل الخبرات الذي يغير العقليات ويجعلها تخرج من صومعتها وتتطرق لآفاق أكبر.
وقال مشبال: إن الوطن العربي يشهد حركة نقدية كبيرة فهناك العديد من الدراسات النقدية الجادة القادمة من تونس والمغرب، ولكنها قلت بمصر، ويلاحظ ذلك بالقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد التي تحفل بوجود العديد من الكتاب المغاربة بينما تجد كاتب مصري، بالرغم من أن الشعب المصرى يمثل ضعف تعداد سكان المغرب وأكثر، وهو ما يؤكد أن الثقافة في مصر أصبحت تسير بالجهود الشخصية، مؤكدًا أن مصر أفتقرت لوجود نقد أدبي بالصحف والمجلات كما كان يقوم بها طه حسين، وشكري عياد وغيرهم.
وأكد أن الناقد الدكتور جابر عصفور شخصية تتمتع بذكاء شديد وعقلية أدبية جبارة تركت أثرها الكبير في المنظومة الأدبية والأكاديمية، وأنجز العديد من الكتابات الأدبية الهامة، ولكن إنخراطه في محاربة الإرهاب قتل تلك الهيبة الأدبية الكبيرة، كما ساهم سفره إلى الكويت في تراجعه إلى الوراء، مشيرًا إلى أن الباحث عندما يذهب إلى الخليج لا يحافظ على مستواه الأدبي، لتأثرهم بنمط الحياة المختلف عن الطبيعة التي عاش بها بمصر.
وأوضح أن لا يثق بالجوائز المحلية والعربية رغم انضمامه للجنة تحكيم جائزة البوكر العام الماضي، مشيرًا أن النتائج تحكمها الترتيبات والمصالح الشخصية والدولية وليس قوة ومصداقية العمل الأدبي الذي تم إختياره، وهو ما يفسد مصداقية تلك الجوائز.
وأعرب عن سعادته لحلول المغرب ضيف شرف هذه الدورة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، مشيرًا إلى أنه كان يتمنى أن تكون ضيفًا حقيقيًا من خلال استثمار الطاقات القادمة من المغرب من خلال مشاركتها بالعمل بالأكاديميات أو عقد دورات وندوات علمية بمنابرها الثقافية الكبرى.