يوم الأربعاء الماضى تلقيت اتصالا تلفونيا من قريب لى حدثنى بصوت مهموم يملؤه الشجن: الحقنى أنا أخويا عنده جلطة وبقاله ساعة فى استقبال المستشفى محدش بيسأل فينا"، وواصل حديثه: دول ناس معندهاش ضمير.
على الفور اتصلت بأحد المسئولين بمديرية الصحة بالشرقية وأكد أنه لا يوجد تهاون ولا تقصير فى حق أى مريض، ولكن يبدو أن أقاربى هم من يستعجلون العلاج، وأن كل المستشفيات الحكومية فى نطاق محافظة الشرقية على ما يرام، وفى أفضل حال، وأنه لن تمر سوى دقائق معدودة وستفتح أمام المريض كل الأبواب، وفعلا بعد دقائق من مكالمة المسئول تم نقل المريض من الاستقبال إلى غرفة العناية المركزة، ولكن كان قضاء الله أسرع، وفاضت روح المريض البريء إلى بارئها لتصعد روحه الطيبة إلى مكان آمن بعيد عن فساد الدنيا، وانعدام الضمير الذى وجده فى مستشفى كفر صقر المركزى، بعد أن ظل لمدة تزيد على الساعة يصارع الموت ولم يغيثه أحد إلا بعد توصية من مسئول جاءت بعد فوات الأوان.
أعلم أن الأعمار مكتوبة، ولن يعيش أحد فى الدنيا أكثر مما قدر الله له حتى ولو تلقى العلاج فى كبرى المستشفيات، ولكن بينما كنت أعاتب قريبى على إصراراه على إدخال شقيقه لمستشفى حكومى، ونحن نعلم حجم الماسى التى يعانى منها الجميع داخل تلك المستشفيات التى نقول عليها فى بعض الأحيان خرابات، أكد لى أن مستشفى كفر صقر تم تدعيمه حديثا بوحدة عناية مركزة مجهزة بكل الأجهزة الحديثة والعناية جيدة هنا، أدركت أن المشكلة ليست فى الإمكانيات، وإننى تجنيت على الحكومة بوصفى المستشفى بالخرابة، وإنما المشكلة الحقيقة تكمن فى انعدام الضمير وفساد الإدارة بذلك المستشفى.
حكى لي قريبى أنه بعد وفاة شقيقه بـ١٠ دقائق توفى شخص آخر فى نفس المستشفى؛ لأنه لم يجد أيضا من يسعفه، كما أن أهل مريض آخر كان مصابا بالتهابات الزائدة دخلوا فى شجار مع الأطباء لإجبارهم على إنقاذ ابنهم من آثار المرض الذى يؤرقه كل هذا حدث فى يوم واحد أو بالأدق خلال ساعة واحدة، فما بالنا بما يحدث يوميًّا داخل تلك المستشفيات التى تعانى من الفساد.
أتذكر ذات مرة بينما كنت عائدا على طريق بين قريتى ابن العاص وأبو الشقوق، وجدت أحدهم مصابا فى حادث، غارقًا فى دمائه، فذهبت أنا ومن معى لمستشفى كفر صقر، وفى هذا الموقف لم أكن أحتاج أن أسمع من أحد سوء الخدمات بمستشفى كفر صقر كى أدلل على مدى الإهمال الجسيم فى ذلك المستشفى وغيره من المستشفيات لأنى رأيت بنفسى انعدام الضمير، فالجميع تركوا المريض وتحججوا بأن حالته خطيرة وجرحه غائر لا يستطع أحد أن يتعامل معه إلا طبيب جراح، فسألنا عن الطبيب النبطشى فقال موظف الاستقبال أنه فى عيادته يمارس عمله الخاص ولكن فى هذه المرة كانت عناية الله تحرس ذلك المريض الذى انتقل إلى مستشفى جامعة الزقازيق، وتلقى فيه العلاج بعد أن انشغل جميع الأطباء بمستشفى كفر صقر العام بعملهم الخاص.
هذا الموقف وغيره يجعلنا نطرح العديد من التساؤلات على بعض الأطباء معدومى الضمير، وأقصد بعضا لأنه ليس معظم الأطباء، كذلك فقلة قليلة منهم هى من تخالف ضمائرهم، هل إلى هذا الحد أصبح البزنس الخاص أهم من أرواح الناس؟ وإذا كنتم تهتمون بعياداتكم الخاصة فلماذا تعملون فى تلك المستشفيات، وتتركون المرضى الأبرياء لا يجدون من ينقذهم من براثن المرض؟
أليس من الأجدر بكم أن تعملوا بقيمة الأجر الذى تحصلون عليه من الحكومة "تعملوا بلقمتكم" حتى لو كان الراتب ضئيلا؟
فى النهاية، لا أقصد من كلامى هذا سوى أن أبرئ ضميرى أمام الله وأؤدى واجبى المهنى بأن أنقل تلك المآسى وأضعها أمام المسئولين لعل وعسى تكون سببا لإنقاذ أى مريض، وأؤكد أن الغالبية من الأطباء يعملون بضمير وكون أن هناك قلة معدومة الضمير لا تسيء للعد الأكبر من أصحاب تلك المهنة صاحبة المقام الرفيع.