كتب الأديب الفرنسي ألبير كامو عام 1938 مسرحيته الشهيرة "كاليجولا"؛ كان عمره حينها 25 عاما وعلى الرغم من ذلك اعتبرها النقاد أفضل مسرحياته على الإطلاق؛ ويشير البعض إلى أن معيار الأفضلية لدى النقاد لكون تلك المسرحية مثيرة للجدل على درجة كبيرة؛ حيث كان ذلك الشخص الذي أقام عليه "كامو" مسرحيته وسماها باسمه "كاليجولا" مادة خصبة بل كان هو في حد ذاته شخصية ملهمة؛ فعلى الرغم من مرور أكثر من 1900 عاما على وفاة الإمبراطور "جايوس يوليوس قيصر" الشهير بـ "كاليجولا" وبين طرح "كامو" مسرحيته تلك للنشر؛ إلا أن البعض يطرح تساؤلا؛ لماذا لم ترد إلينا تجربة جادة تتصدى لدراسة شخصية "كاليجولا" قبل "كامو"؟؛ رغم إن كاليجولا كان عم "نيرون" الشخصية البشعة الشهيرة الذي نال شهرته بحرق روما؛ وبعد أن كتب كامو مسرحيته؛ تعددت صور كاليجولا في نصوص الأدب؛ منها في مصر حيث رسم نجيب محفوظ شخصية في ملحمته الحرافيش تدعى جلال وصفه في قصة ضمن الملحمة بعنوان "جلال صاحب الجلالة" وهذا الجلال أحد احفاد عاشور الناجي الذي فعل أفعالا غرائبية إثر توليه عرش الفتونة رغبة منه في أن يصبح خالدا.
ولد "كاليجولا" عام 12ميلاديا واغتيل عام 41؛ وبينهما فترة عاشها من اللامعقولية واللامنطق على جميع الأصعدة؛ نشأ لأسرة عسكرية؛ وبناء على ذلك تم تأهيله لمنصب قيادي في الجيش منذ صغره؛ فقد خاطت له أمه بذلة وحذاء عسكريين يذهب بهما إلى الحصون ومواقع القتال؛ وهكذا أطلق عليه "كاليجولا" أي المجند صاحب الحذاء الصغير؛ واستمر معه هذا اللقب طيلة حياته.
كان كاليجولا نموذجًا في الشر والغباء وجنون العظمة المُجسمة في هيئة رجل، وكنتيجة طبيعية لهذه الصفات استبدّت به فكرة أنه إله على الأرض، فراحَ يشعر بأن هذا العالم مُسخر له ولخدمته ويحلو له أن يفعل به ما يشاء، فقام ببناء تماثيل ضخمة لنفسه في الهيكل داخل مدينة أورشليم وأمر من كان يسكن بها بعبادتها، كما قام بنقل بعض الآثار الفرعونية من مصر إلى مناطق أخرى واستبدالها بمعابد له.
حكم روما عام 37 وبدأ بحصر ممتلكاته التي شملت مختلف أنحاء الأرض ووجد شيئًا واحدا ينقصها ألا وهو القمر؛ وهذا ما أثار غضبه وجعله يبكي بكاء شديدا؛ ليس هذا فحسب بل أمر بقتل جميع الصُلع لأنه يكره الصَلع بالرغم من أن كان أصلعًا.
تعد أبرز مظاهر جنونيّة هذه الشخصية هو ما فعله عندما أراد أن يشعر بقوته وجبروته وأن جميع مُعضلات الحياة بين يديه، إذ وجد أن فترة توليه الحكم كانت خالية من المجاعات والأوبئة وبذلك لن يتذكره أحد من الأجيال القادمة لعدم حدوث كوارث في عهده، فقام بإحداث مجاعة بنفسه في روما إذ أغلق جميع مخازن الغذاء واستمتع بمشاهدة الجميع يموتون ببطء، وقال جملته الشهيرة: "سأكون أنا بديلًا لكم عن الطاعون".
وبالإضافة إلى وحشيّته المُفرطة كان للغباء دور مهم أيضًا في شخصية هذا المتغطرس، ففي أحد الأيام دخل إلى مجلس الشيوخ ممتطيًا جواده، فاستغرب أعضاء المجلس من هذا الفعل الغريب وقام أحدهم معترضًا على طريقة دخوله على ظهر الجواد فرد عليه كاليجولا قائلًا: "لا أدري لماذا أبديت ردة الفعل هذه تجاه جوادي المحترم بالرغم من أن هذا الجواد أهم منك فيكفي أنه يحملني" وأتمها بمأدبة عشاء لأعضاء مجلسه عبارة عن أطباق من التبن والشعير لكي يحصلوا على شرف الأكل مما يأكله جواده؛ وبالفعل حتى يتقوا شره بدأوا بالأكل فعلا؛ وعندما أبى أحدهم عزله وعين مكانه جواده الآخر.
توالت التصرفات الهمجية المجنونة حتى اغتاله حراسه عام 41، وبذلك تم وضع حد لأسطورة الإمبراطور صاحب النظرة السوداء عن الحياة بكل ألوانها، تساوت فيها الحياة بالموت؛ والظلم بالعدل؛ والقليل بالكثير؛ الحزن بالفرح؛ والإنسان بالحيوان، مما أدى لسيطرة شهواته ورغباته الجامحة على عقله ففقد الأمل من كل شيء واتخذ قرارًا برسم طريقه نحو الجنون.