لندع
تصريحات «جون كيري»، حول احتمالات جادة، لعدم تكملة الرئيس المنتخب «ترامب» لولايته،
بأكثر من عامين على جانب، ولندع أيضًا اتهامات محطة «سي إن إن»، بالتحريض على
قتله، أو لعرافين ومنجمين في الأبراج!.
فعندما
نجح «ترامب»، في الانتخابات، مُقابل مرشحة الديمقراطيين «هيلاري كلينتون»، تعالت
الأصوات في نغمة واحدة، بأن «ترامب»، سيذهب بأمريكا لمستقبل شديد الغموض؟!، بل ذهب
آخرين، من محللين وكتاب، ورجال إعلام، وغيرهم كالملياردير اليهودي الأمريكي «سورس»،
صاحب مؤسسة «الباب المفتوح»، المعروفة بتمويلاتها في «زعزعة نظم، وشراء ساسة»،
وصفه بـ«الديكتاتور».
«البعض»
منهم، ذهب لأبعد من ذلك، في تخيل سقوط أمريكا، وكف مدّ يدها في كافة بقاع الأرض؟!،
«ترامب» ردّ على كل ذلك، ربما عن عمد أو بدون قصد، قائلًا: «إذا كان مستقبل
الولايات المتحدة سيكون غامضًا خلال رئاستي، فإن مستقبل العالم أيضًا سيكون مفتوحًا
لكل الاحتمالات!!».
تصريح «ترامب»،
أدار عقول المحللين، وعلماء الاجتماع، حول نظرية تأثير الفرد على مُجريات التاريخ،
فما زلت أذكر في مستهل مشوار حياتي السياسي والعملي، تلك النظرية، التي روج لها الكثيرون
من مثقفين مصريين ويساريين، خلال فترة الحقبة الناصرية، ثم استبدلوها بنظرية «المُستبد
العادل»، حول تبرير فقدان الديمقراطية إبان تلك الحقبة، على حساب التوجهات
الاجتماعية والوطنية طبعًا مع الفارق الواضح في الحالتين .
لا أحد
يستطيع، أن ينكر ظاهرة «ترامب»، في التاريخ الأمريكي المعاصر، فسرها محللون،
بمقولة «الشعبوية»، على منحي تصاعد حدة غضب من الناخبين، والعداء للنخبة المفروضة،
من حزبيين تقليديين، «الديمقراطي» و«الجمهوري»، إذ مارسا تداول السلطة، فيما
بينهما، على قاعدة، تقاسم الاحتكارات الدولية، ذلك يضع سؤالًا مهمًا، حول مستقبل
النظام الليبرالي الأمريكي والعالمي، والتفكك الوشيك.
في هذا
الصدد يفسر «ستيوارت باتريك»، عضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، على أن قطاعًا
واسعًا ومتناميًا من الناخبين الأمريكيين، لا يثقون بخط اليمين الليبرالي الجديد،
السائد لأكثر من نصف قرن، والذي اتخذ مسمى «العولمة»، «ترامب» فهم ذلك، بل مضى
أبعد، في فهم قلق المواطن الأمريكي العادي، من أبعاد التدخلات الأمريكية في كل
بقاع الأرض، ورفضه لتحمل الأعباء الناتجة عنه، والتي لا طاقة له بها اقتصاديًا
واجتماعيًا وخدميًا بل وخسارة بشرية في الأرواح، مقابل قيادة ما يسمى بـ«العالم
الحر ونشر الديمقراطية؟!».
إذن هي
التهديدات لمستقبل النظام الليبرالي، بوضعيته الحالية، تتجمع من الداخل، أي محلية
بحتة، وليست من خارجه، وعلي هذا المنحى، تأتي دراسة هامة لمجلس الأمن القومي
الأمريكي، نشرت مقاطع منها مجلة «ذي أتلانتك» وترجمته بعض المواقع البلغارية، الدراسة
نشرت مقاطعها في أسبوعين، قبل تولي «ترامب» مهام منصبه، فقد توقعت بتغييرات كثيرة
على الساحة الدولية وأفول النجم الأمريكي، الذي بزغ أعقاب انتهاء الخرب الباردة، وسقوط
المعسكر الاشتراكي عام 1990، الدراسة تنبأت بعالم متعدد الأقطاب، هذا لا يعني نهاية
لقوة ونفوذ واشنطن، وتحالفاتها في أوروبا وآسيا وأفريقيا.
من
الشاهد أن «ترامب»، سيسعى لصياغة أسس جديدة في العلاقات الدولية، بعيدًا عن ترسيخ
قاعة الاستثناء الأمريكي، أي باتباع نهج مُغاير للنمط الديمقراطي والجمهوري معًا
في قالب واحد .