علمتنا الحياة أن الأحكام التى نصدرها على الآخرين قد يتضح بمرور الوقت عدم دقتها وأننا نظلم أنفسنا قبل أن نظلم الآخرين بهذه الأحكام.
نتحارب ونتصارع ونرى الفساد ونصفق ونهلل ونندهش ونقول ما هذا كل ما نراه من قضايا الفساد، نحن من ننكوى بنار الأسعار وهؤلاء من ينعمون بالملايين والمليارات.
هل الفاسد حصل على أموال فسادة من أناس آخرين غيرنا؟
ربما لم نصل يوما إلى كبار الفاسدين من يتلقون الملايين ولكننا نتعامل بشكل كبير مع الصغار مما هم فى مرحلة تكوين النفس والذين يخطون أولى خطواتهم على سلم الفساد ونساعدهم بعشرات الجنيهات ونعطيهم الأمل ليصبحوا من كبار الفاسدين وحينما يكبرون نندهش لوجودهم.
وهنا نرجع مرة أخرى لإصدار الأحكام ولكننا هنا نحكم على المواقف وليس الأشخاص فنبرر لأنفسنا أننا المرغمون المقيدون من ستقف أحوالهم إذا لم ندفع العشرين «المكرمشة».
هل نأخذ ما لا نستحق أن نأخذه فمثلا لو كنا فى مصلحة ما هل ندفع لنأخذ دور غير دورنا أم أننا ندفع لتسهيل أمور ربما أوراقنا فيها غير مكتملة، وهذه حالة من أحوال الفساد الثنائى فساد المواطن من يريد أن يأخذ ما لا يستحق وفساد الموظف المرتشى.
أم أننا نأخذ ونحن فى موقف سليم من أوراق ودور ولكننا نخاف من البيروقراطية وإيقاف الحال، وهذه حالة أخرى من فساد الطرفين فلو توقفنا عن الخوف وحاربناه لما كان الخوف يسيطر علينا بل سيسيطر على كل من تسول له نفسه أن يحلم بحق غير حقه.
اندهشنا أيضا من قانون الخدمة المدنية وكانت الأقاويل فى تلك الفترة أن الدولة تريد تسريح عدد كبير من العاملين بها لتضخم الهيكل الإدارى بالدولة وكان على الحكومة النفى ليطمئن المواطنون من شائعات يرددها من يريدون فقط إشعال الأمور دون التفكير، وهنا يأتى السؤال أين يستشرى الفساد بالدولة هل هو بداخل أروقة المصالح الحكومية أم هو بالقطاع الخاص؟
نحارب الفساد ولا نريد أن نساهم، نحارب الغلاء ولا نريد أن ننتج ،نحارب العشوائيات ولا نريد أن نرسخ قيمنا وثقافتنا. هل الحل بتغيير الحكومات أم بتعديل كل منا لنفسه.
يحكى أنه فى يوم من الأيام ذهب رجل إلى جحا يستشيره ويشكو له حاله قائلًا: أنا أعيش مع زوجتى وأمى وحماتى وأطفالى الستة فى غرفة واحدة، فماذا أفعل حتى يتحسن حالى وتستقيم حياتى؟ فقال جحا: قم بشراء حمار واجعله يعيش معكم فى نفس الغرفة وتعال إلىّ بعد يومين وأخبرنى ماذا حدث معك. ففعل الرجل مثلما طلب منه جحا وعاد إليه بعد يومين ليخبره أن الحال قد ازداد سوءًا، فقال جحا: إذا جرب أن تشترى خروفًا وتضعه معكم فى نفس الغرفة وعد إلى بعد يومين، ففعل الرجل ذلك من جديد وعاد إلى جحا ليخبره أن الحال يزداد سوءًا، فقال له جحا، اشتر دجاجًا وضعه معكم فى نفس الغرفة وعد إلىّ بعد يومين، فجاءه الرجل بعد يومين وهو يقول له: لقد أوشكت على الانتحار يا جحا والأمر يزداد سوءًا وقد كرهت حياتى وعيشتى .
فقال له جحا: اذهب إلى السوق وقم ببيع حمارك وعد بعد يومين، ففعل الرجل وعاد إلى جحا ليخبره أن الحال بدأ فى التحسن قليلًا، فقال له جحا: اذهب للسوق وبع خروفك وعد بعد يومين، ففعل الرجل وعاد ليخبره أن الحال أصبح أفضل بكثير، فقال جحا: اذهب للسوق وبع الدجاج وعد بعد يومين، ففعل الرجل وعاد بعد يومين يقول له: لقد أصبحت الآن فى أفضل حال.
الحكمة من القصة: هكذا تدار جميع الأزمات والمشاكل فى بلداننا العربية، يتم خلق الأزمات والمشاكل دائمًا ثم يتم التفاوض عليها، والمطلوب أن نشكرهم للرجوع إلى الحال القديمة دون ضرر ودون منفعة أو أى تطور.